كيف تعزز قيمة الثقة في العمل وتخلق بيئة عمل سعيدة وآمنة؟

تعد الثقة إحدى القيم الجوهرية التي يفهمها الإنسان وينشدها، مثلها مثل الحب والحرية وغيرها. ويدرك الجميع أن قضية الثقة من أهم القضايا الشخصية والاجتماعية والمهنية. المسألة المهمة فيها هي كيف نفهم الثقة وأهم من ذلك كيف نستطيع أن نبني الثقة بدلا من أن نؤكد أهميتها ببساطة، والأكيد أن الفهم المجرد لجوهر الثقة لا يفي بالغرض وحده، ولا يضمن تحقيقها. فالثقة عموما والثقة في العمل خصوصا تتطلب ممارسات مستمرة ترسخ معانيها، ومن دونها لا يصل الفهم لها لأي نتيجة.

وبالانتقال إلى بيئات العمل، تحضر الثقة بمفاهيمها في الكيان الإداري للمؤسسات حضورا متفاوتا بحسب الإدارات والممارسات والقادة والأفراد. فقد ساهمت التغيرات والتطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم، في تزايد الاهتمام كثيرا بموضوع الثقة لدى كثيرٍ من رجال الإدارة والأعمال استشعارا منهم للدور الكبير الذي تمثله الثقة داخل المؤسسات، وكذلك إيمانا منهم بأن الثقة المتبادلة داخل بيئات العمل عنصرٌ حاسمٌ في تحقيق الأهداف بكفاءة. ولعلنا لا نبالغ إن قلنا أن الثقة قوة كبرى للمؤسسات، ولو قلنا أن الثقة أزمة خطيرة تتهاوى لفقدها أركان بعض المؤسسات فالأمر أيضا صحيح.

ستقرأ في السطور التالية:

• مفهوم الثقة في بيئة العمل
• أهمية الثقة في بيئة العمل
• أنواع الثقة المؤسسية
• أبعاد الثقة المؤسسية
• ممارسات تساعد على بناء الثقة في بيئة العمل
• علاقة الثقة في العمل بتعزيز سعادة الموظفين
• دور الموارد البشرية في دعم الموظفين وبناء الثقة فيما بينهم

مفهوم الثقة في بيئة العمل

لتوضيح طبيعة مفهوم الثقة داخل بيئة العمل فهي ببساطة إدراك الفرد لما يلقاه من دعم ورعاية وإشباع من جانب المؤسسة، وفي المقابل إدراك الرؤساء لقيام الموظفين بمسؤولياتهم وواجباتهم، مع الشعور التام بالاطمئنان بأن كافة السياسات والإجراءات والقرارات تحمي حقوق الفرد وتعمل في صالحه. فهي الثقة التي تتجلى من خلالها مشاعر العاملين بالطمأنينة وحسن الظن والسعادة والتفاؤل في المؤسسة وبالميدان الذي يعملون فيه.

أهمية الثقة في العمل

تشكل الثقة في العمل أو الثقة المؤسسية أحد الدعائم الأساسية التي تساعد المؤسسة على تدعيم فاعليتها وتحقيق أهدافها. وهي عنصرٌ مهمٌ للمنظمات، فحينما ‏يسود جوٌ من الثقة في بيئة العمل؛ فإن الأفراد يستطيعون الإفصاح عن أفكارهم ومشاعرهم، ويراعي بعضهم بعضا، وتزداد فرص النمو والتطوير.

وعلى الجانب الآخر فإن المنظمات التي تفتقر إلى وجود مستوى جيدٍ من الثقة التنظيمية، يلاحظ فيها قلة التعاون والالتزام والافتقار إلى التواصل الفعال والإبداع، والأسوأ من هذا حضور مشاعر الريبة والتشكيك بين الأفراد بأكثر من صورة.

أنواع الثقة المؤسسية

قد تكون الثقة شخصية، وقد تكون غير شخصية. أما الثقة الشخصية فقد قُسمت إلى نوعين: 

• الثقة الجانبية أو الأفقية وهي التي تكون بين الزملاء داخل المنظمة
• الثقة الرأسية وهي تلك التي تكون بين الموظفين والقادة

أما الثقة غير الشخصية، فيطلق عليها الثقة المؤسسية أو التنظيمية أو الثقة بالمنظمة، وهي تمثل ثقة الأفراد بالمنظمة التي ينتمون إليها، عاملين كانوا أم قادة. وتلك الثقة تظهر على السطح في بعض بيئات العمل، وتختفي تماما في بعض البيئات أو المؤسسات، والسبب في الحال الأول والثاني هي الممارسات الإدارية والتنظيمية والقيم السائدة في تلك البيئات.

أبعاد الثقة المؤسسية

السياسات الإدارية

إن قناعة الموظف بالممارسات الإدارية في مؤسسته، ووضوح السياسات الإدارية، وثباتها النسبي، يبعث الثقة في العمل والارتياح في نفوس الموظفين، ويعكس مستوى الرضا عن الحوافز وتوفر التدريب، والتدرج في السلم الوظيفي، وتقويمهم وفقا لمعايير واضحة وعادلة، وإتاحة الفرصة للعاملين في المشاركة في صنع القرار واتخاذه. 

حيث تسهم تلك الممارسات في تشكيل مستوى الثقة التنظيمية لدى الأفراد في مؤسساتهم. حيث يعد وضوح السياسات الإدارية داخل المنظمات عاملا مهما لتحديد المسؤوليات والاختصاصات وعدم تداخلها والخلط بينها.

فرصة الابتكار وتحقيق الذات

يتضمن هذا البُعد تفويض السلطات والصلاحيات، وثقة الإدارة بقدرات الموظفين، وتقديرها لمجهوداتهم ومبادراتهم، وتشجيعهم على الابتكار والإبداع، والتجديد في أساليب العمل. كما يتضمن إعطاء الأفراد مساحة كافية لعرض أفكارهم، ومناقشة رؤاهم. فالموظفون هم العنصر الحاسم في الابتكار، بل هم أدوات الابتكار في المنظمات التي توفر لهم البيئة المناسبة وتعطيهم الثقة، في حين أنهم أدوات الجمود في المنظمات التي تكون البيئة التنظيمية بها محبطة ومخيبة للآمال والتوقعات.

القيم السائدة في بيئة العمل

من أهم ما يميز هذا البُعد احترام الإدارة للموظفين، والتعاون بين الأفراد العاملين في المؤسسة، وكفاءة الرؤساء، والعدالة في التعامل مع الآخرين. كما يشتمل هذا البعد على سعي المؤسسات إلى تطوير قدرات الأفراد، وتنمية مهاراتهم. 

ويشير العديد من الباحثين إلى أن نجاح المنظمات اليابانية يعزى إلى وجود مجموعة من القيم المشتركة ‏التي يؤمن بها كل فرد في المنظمة؛ نظرا لما تبذله المنظمات اليابانية من وقت وجهد في سبيل غرس هذه القيم في نفوس موظفيها. والقيم الإيجابية السائدة في المنظمة تدعم الأفراد معنويا وتشجعهم على مواجهة المشكلات، والسعي لإيجاد الحلول لها بشفافية عالية، وعدم التستر عليها، مما ينعكس إيجابا على أداء الأفراد ومنظماتهم.

دقة المعلومات وتدفقها

يندرج تحت هذا البُعد عناصر تتعلق بمدى الانفتاح الداخلي والخارجي مع البيئة المحيطة للمنظمة، حيث إن توافر المعلومات من جهة، والحصول عليها في الوقت المناسب في القنوات التنظيمية ومصداقيتها من جهة أخرى، وإتاحتها للموظفين بيسرٍ وسهولة، والاهتمام بكافة المعلومات المقدمة من قبل كافة الأفراد العاملين في التنظيم، كل ذلك يعد من العناصر المهمة التي من شأنها أن تقود إلى الثقة في العمل. 

كما تُعد قدرة الأفراد والعاملين على التواصل بكافة المستويات أمرا مهما في تحقيق الثقة التنظيمية، ورفع مستواها لديهم. كما أن عجز الأفراد والعاملين عن التواصل مع الجهات الأعلى ليُعَدُّ سببا رئيسا في ضعف الثقة لديهم. كما أن تكامل الإدارة والتخطيط في المنظمة يعتمد بالدرجة الأولى على ترشيد عملية المعلومات ودقتها. اعرف أكثر كيف تعزز من تبادل المعرفة بين الموظفين.

ممارسات تساعد على بناء الثقة في بيئة العمل

توفير المنظمة للبيئة الآمنة المستقرة الموظفين، وذلك من خلال سياسات إدارية محددة تتمثل في العدالة، وتطبيق النظام على الجميع، واستخدام السلطة استخداما إيجابيا من قِبل القيادات. بالإضافة إلى:

• الاهتمام بالقيم السائدة بوصفها قاعدة للثقة في العمل لإشباع حاجات الانتماء لدى الموظف
• أن تعتمد المنظمات على بناء هياكل تنظيمية، وأساليب تشغيلية، تعتمد على الوثوق في قدرات الموظفين، واحترام آرائهم وإمكانياتهم، والثناء على مجهوداتهم في العمل، واستخدام الحوافز لتدعيم السلوك الإيجابي
• توفير بيئة تنظيمية تسمح للعاملين فيها باستثمار طاقاتهم الكامنة، وتدفعهم إلى التطوير والمشاركة في صنع القرارات، وتفويضهم بعض السلطات، وتشجيعهم على الابتكار
• إظهار اهتمام المنظمة بالمرؤوسين، والسعي لإنجاز الأعمال بدقة، ودعمهم في ظروفهم الخاصة
• إظهار المشكلات ومناقشة الأخطاء وتحمل المسؤولية الناتجة عن القرارات المتخذة
• وضوح رسالة المؤسسة من خلال تحديد دقيق لرؤية المؤسسة، وأهدافها الاستراتيجية

علاقة الثقة في العمل بتعزيز سعادة الموظفين

في دراسة نقلها موقع Q4Intellgence حول أهم 20 سببا في سعادة الموظفين، جاءت نتائج الدراسة كالتالي: الاحترام وتعريفه يختلف من موظف لآخر ولكن بلا شك يوجد معايير قيمية ثابتة حوله، المقابل المادي المُجزئ، المزايا الوظيفية الأخرى، التطور الوظيفي، الثقة بهم، إيجاد معنى لعملهم، المرونة، التوازن بين العمل والحياة، الاعتراف بجهودهم، التواصل الفعال داخل الشركة، بيئة العمل الصحية، القيادة، الاستقلالية والقدرة على اتخاذ قرارات في العمل، العمل الجماعي، تبني الحلول الرقمية لتسهيل العمل، التدريب، التنوع العرقي في الفريق، استدامة الوظيفة والعمل، النزاهة في بيئة العمل، الأمان الوظيفي.

دور الموارد البشرية في دعم الموظفين وبناء الثقة فيما بينهم

حل المشاكل التي تواجههم وإعطائها الأولوية

دون حل للمشاكل التي تواجه الموظفين وإعطائها الأولوية بالطبع لن يكون للسعادة مكان في بيئة العمل، مع ذلك ثقة الموظفين بتعاون واهتمام إدارة الموارد البشرية هو عامل مهم وحيوي يجعل الموظف يشعر باهتمام الإدارة العليا وإدارة الموارد البشرية، وكونهم في صفه دائما ومستعدين لحل مشاكله التي يواجهها.

تصميم برنامج المكافآت والشكر على الأداء الجيد

لا أحد يجهل الأهمية الكبيرة لكلمات الشكر والثناء والاعتراف بالمجهود في تحفيز وتطوير أداء الموظفين، لكن عدم وجود برنامج شكر واضح يجعل هذه الوسيلة المهمة تُهمل في النهاية، حتى لو حاولت تذكر شكر المنجزين عند الإنجاز ولو حاولت تذكير المديرين بشكر موظفيهم على الأداء العالي، فإن الفرصة في استغلال هذا الجانب المهم والحيوي في صنع تجربة سعيدة للموظفين قد تكون فرصة ضائعة.

الدفع العادل للموظفين وتقييم مرتباتهم والزيادات

قد لا تكون الرواتب هي السبب الوحيد لجعل الموظفين سعداء، لكنها بالتأكيد أحد أهم العوامل، ولذلك جاء في مقدمة الترتيب حسب الدراسة السابقة دفع رواتب مجزية ومرتفعة لخبرات الموظفين بالمقارنة مع الرواتب في السوق ضروري وأساسي في صنع بيئة عمل سعيدة.

ويذكر بعض الخبراء أن دفع مرتبات أعلى من المعدل في السوق يتضمن توقعا ضمنيا من الموظف بأن يقدم أداء أفضل من الأداء المعتاد من موظف بنفس وظيفته، لذلك يعتبر الدفع العادل للموظفين من أهم المرتكزات لبيئة عمل سعيدة وبناء الثقة في العمل، ولكن للأسف يحرص بعض مسؤولي الموارد البشرية على تخفيض ميزانيات بعض الوظائف والبحث عن أشخاص مؤهلين يقبلون بمعدل منخفض للراتب، لكن هذا يعود بالضرر على الشركة، حيث مع معدلات الدفع المنخفضة تعلو نسب التسرب من الوظائف، ومع المواهب المهدرة بسبب ضعف العرض أو محدوديته تخسر الشركة في تكاليف التوظيف وجلب الكفاءات الأقل.

الاهتمام بالمميزات الأخرى مثل التأمين الصحي

حتما تزيد سعادة الموظف متى شعر باهتمام الشركة به من خلال المزايا الوظيفية الأخرى، مثل التأمين الطبي عالي المستوى، الخصومات على التأمينات الأخرى بخصوص مخاطر العمل وغيرها، وكلما زاد اهتمام الشركة برفع مستوى التأمين الصحي المقدم للموظف وعائلته بالطبع سيزيد رضا الموظف عن شركته وسعادته في العمل بها والثقة في قيمها وما تقدمه من خدمات.

الاهتمام بعائلة الموظف والمرونة في الإجازات وأوقات الراحة

أصبح الموظف اليوم أكثر تطلعا للعمل المرن الذي يدمج فيه بين الحضور وبين أداء العمل عن بعد، والمرونة في أوقات العمل تمنح الموظف راحة وشعورا باهتمام الشركة بحياته الخاصة وتوازنها مع العمل، وبالتالي يشعر الموظفون بسعادة أكبر عند عملهم في نظام عمل مرن، أيضا اهتمام الشركة بمنح الإجازات لموظفيها عادة ما يكون عاملا مهما في مثل هذا العمل.

دعم وتحفيز الإيجابية في بيئة العمل

التحفيز الإيجابي في بيئة العمل من الممكن خلقه دائما من خلال الممارسات المختلفة داخل الشركة أو المنظمة، فمثلا من الممكن خلق بيئة سعيدة عن طريق التوظيف الداخلي وترقية الموظفين للمناصب الشاغرة بحيث تزيد هذه السياسة اهتمام الموظف ببذل جهد أكبر ويزيد من روح التنافس داخل الشركة.
بالإضافة إلى:

• وضع برامج مكافآت سنوية واضحة لأفضل فريق، وأفضل موظف وغيرها
• التهنئة بمناسبات الموظف المختلفة، مثل: (مولود جديد، زواج) والتضامن مع الموظفين في أوقات الشدة (وفاة، خسارة) 
• إطراء الموظفين الذين يساهمون ويبادرون في خلق بيئة سعيدة لزملائهم

فرص التعليم والتطوير

تشير دراسة إلى أن 85% من الموظفين يتوقعون أن يحصلوا على التدريب الكافي لتطوير مهاراتهم باستمرار، فالموظف الذي يجد نفسه يتطور ويتعلم يبقيه هذا الأمر سعيدا ومتحمسا وواثقا في العمل، وعلى إدارة الموارد البشرية السعي في وضع خطط تمكين وتدريب الموظفين من خلال خطط تدريب فاعلة، يستشار فيها الموظف ويستطيع الحصول فيها على التدريب الذي يود الحصول عليه في مجاله، وبالطبع يعود هذا التدريب بالنفع للشركة حيث يستغل الموظف مهاراته الجديدة في تطوير عمله وتحسينه.

الاهتمام ببيئة العمل

لا يمكن تجاهل أهمية المكان الذي يقضي فيه الموظفين 8 ساعات من يومهم في مدهم بشعور أفضل تجاه عملهم، احرص على راحتهم في مكاتبهم، ساعدهم على تعلم الجلسة الصحية، و ثقفهم حول الأكل الصحي، أظهر لهم اهتمام الشركة بصحتهم في بيئة العمل، ادخل الإضاءة الصحية والمناسبة للمكان، استعن بالنباتات لأنها تعطي راحة وتزيد من جودة الهواء في المكان.

أخيرا، يساعدك نظام جسر على تحسين بيئة العمل وزيادة تفاعل الموظفين من خلال الأتمتة الكاملة لخدمات الموارد البشرية التي يحتاجون حيث يمكنك إجابة طلباتهم وتمكينهم من متابعة سجلاتهم وأرصدتهم، وكنتيجة زيادة تفاعلهم. اطلب العرض التوضيحي المجاني لتنظر كيف يمكن لجسر أن يساعدك على تعزيز الثقة في العمل وسعادة موظفيك.

أ. دلال العريفي