كيف تدفع الموظفين للحفاظ على أسرار العمل؟

في عام 2006 حاولت موظفة في شركة كوكاكولا Coca-Cola مع اثنين من شُركائها بيع أسرار العمل التجارية للمنافس الشرس الآخر شركة بيبسي Pepsi، ولكن، ماذا عن اتفاقية سرية المعلومات؟ سنكتشف في هذا المقال أن دفع الموظفين لعدم إفشاء أسرار الشركة أكبر من مجرد وثيقة مكتوبة بحبرٍ على ورق!

جدول المحتويات:

• نبذة عن اتفاقية عدم الإفصاح عن أسرار العمل
• ماذا حدث في قصة كوكاكولا وبيبسي؟ وما الدرس المستفاد؟
• ما أهمية حماية الأسرار التجارية؟
• كيف تدفع الموظفين للحفاظ على أسرار الشركة؟
• ما هي الممارسات الأخرى لتحافظ على أسرارك التجارية؟

في البداية.. نبذة عن اتفاقية عدم الإفصاح عن أسرار العمل

يعرف قادة الموارد البشرية مُصطلح (Confidentiality agreement) اتفاقية سرية المعلومات، أو اتفاقية عدم الإفصاح، وهي اتفاقية بين صاحب العمل والموظف والتي لا يجوز للموظف بموجبها الكشف عن معلومات ذات علامة تجارية أو براءة اختراع أو معلومات سرية، وقد قامت العديد من الشركات بحماية المعلومات التي إذا تم تسريبها، يمكن أن تكون مدمرة للعلامة التجارية أو رفاهية المنظمة، وتعمل الاتفاقية السرية كحماية قانونية من ذلك؛ وهي اتفاقية دائمة تظل سارية حتى بعد انتهاء التوظيف.

ماذا حدث في قصة كوكاكولا وبيبسي؟

قبل أن نكتشف كيف ندفع الموظفين في الشركة إلى عدم الإفصاح عن أسرارها، من الضروري أن نتعلّم بعض الدروس من قصة شركة كوكاكولا!

بدأ كل شيء في ظهيرة صيفٍ حار من العام 2006، حيث كانت تُحاك مؤامرة كُبرى في المبنى الضخم لشركة كوكاكولا والذي يتميّز بتشديدات أمنية عالية، حيث تنتشر الكاميرات ويخضع الموظفون يوميا لفحوصات روتينية، ففي شركة كوكاكولا تُعتبر السرية هي شريان الحياة لثقافة الشركة.

بعد 14 شهرًا من توظيف "جويا ويليامز" بصفتها مساعدة إدارية للمدير التنفيذي في كوكاكولا، بدأت في الأخير تخطط للانتقام -عندما بدأت تشعر أنها لا تُعَاملُ بشكل صحيح- ووضعت خطة لذلك، وأخبرت ويليامز صديقاً لها أنها تمتلك مجموعة دفينة من مستندات كوكاكولا  "السرية للغاية" والتي من المحتمل أن تكون ذات قيمة مالية لشركة بيبسي، المنافس الرئيسي للشركة، ولكنها وقّعت اتفاقية عدم إفصاح ولن تستطع تسليم المستندات بنفسها، ووصل بريد من الموظفة الساخطة وشريكين لها إلى نائب الرئيس الأول في شركة بيبسي، مدعيًا أنه مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في شركة كوكا كولا ويملك أسرارا تجارية "سرية للغاية"، عرض فيه الشركاء بيع مستندات كوكاكولا عالية السرية إلى شركة بيبسي، وقارورة من صيغة المشروب السرية، وعينات فعلية من المنتجات التي لم يتم طرحها.

وبعد أسبوعين وصل رد للشركاء الثلاثة، من خلال مكالمة من موظف مفترض في شركة بيبسي يُدعى "جيري"، والذي كان مهتمًا وطلب من الشركاء إثباتًا يمكنه تقديمه، وبعد إرسال 14 مستندا أوليًّا، طلب الشركاء إرسال المال عبر حساب خاص للتأكيد على جدية شركة بيبسي في شراء المستندات السرية وصيغة المشروب، وهكذا وصل إلى حسابهم مبلغ 5 آلاف دولار أمريكية مبدئيا.

في يوليو من العام نفسه تم إلقاء القبض على ويليامز وشركائها، فالرجل الذي يُدعى جيري في الواقع لم يكن مسؤولًا  تنفيذيا لشركة بيبسي، بل عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الخاص "جيرالد ريتشارد".

قبل ذلك، عندما تلقت شركة بيبسي الرسالة الأولى من الثلاثي، أعادوا إرسالها على الفور إلى شركة كوكا كولا، وأبلغتهم أن لديهم من يسرب معلومات سرية من شركتهم، وبدورها، أحضرت شركة كوكا كولا مكتب التحقيقات الفيدرالي لإجراء تحقيق سري.

قال متحدث باسم شركة بيبسي لاحقًا: "لقد فعلنا ما ستفعله أي شركة مسؤولة، يمكن أن تكون المنافسة شرسة، ولكن يجب أن تكون أيضًا عادلة وقانونية"، ولكن عالم الاقتصاد والمؤلف المشارك لـ Freakonomics، ستيفن د. ليفيت، توصّل إلى أن بيبسي تعاونت مع منافستها الشرسة للكشف عن المشبوهين، لأن نشر صيغة كوكاكولا من شأنه أن يجلب قدرًا كبيرًا من المنافسة الإضافية، إذا نجا الثلاثة، وقرروا بيع المزيد من المستندات لشركات أخرى!

أكبر درس يُمكن تعلمه من قصة شركة كوكا كولا، وبيبسي هو "لا تأمن غضب الموظف الساخط".

ما أهمية حماية الأسرار التجارية؟

تًعتبر حماية المعلومات السرية وأسرار العمل التجارية جزءًا أصيلًا من نجاح أي عملٍ تجاري، سيكون هناك خطر واضح على أي شركة إذا اكتشف المنافسون من هم عملاؤها، وما هي اتفاقيات التسعير التي أبرمتها، أو المبلغ الذي تدفعه لأصحاب الأداء المتميز، لذلك، من أولويات جميع الشركات المسؤولة حماية المعلومات الأساسية من الكشف عنها للمنافسين.

بالرغم من أن بعض الممارسات القانونية مثل توقيع اتفاقية عدم الإفصاح قد تكون مفيدة جدا، إلا الدرس الآخر الذي نتعلمه من قصة تسريب الأسرار التجارية لكوكاكولا، هو أن هذه الاتفاقية وغيرها من الإجراءات القانونية ربما لا تكون كافية للحفاظ على أسرار العمل، لذلك من الضروري بذل مزيد من الجهد لجعل الموظفين أكثر رغبةً في الحفاظ على أسرارك التجارية حتى بعد مغادرتهم للعمل!

كيف تدفع الموظفين للحفاظ على أسرار العمل؟

تلعب ممارسات قسم الموارد البشرية دورا رئيسيا في دفع الموظفين إلى عدم إفشاء الأسرار التجارية للشركة، فيما يلي بعض النصائح التي قد تساعد في تحقيق ذلك:

توظيف أشخاص جديرين بالثقة

في واحدة من أقوى محاضرات الخبير والمتحدث سيمون سينك، بعنوان: "الأداء مقابل الثقة"، والتي تحدّث فيها عن كيفية اختيار الأشخاص المناسبين لفريق العمل، أكد سينك أن القادة الأذكياء إذا لم يجدوا الشخص الذي يحمل الصفتين، فإنهم يختارون شخصًا قد لا يكون أفضل أداءً ولكنه جدير بالثقة على شخص يتمتع بأداء عالٍ ولكنه غير جدير بالثقة، فهم يولون أهمية أكبر لمصداقية شخص ما على كفاءته في القيام بعمل رائع، وهذه النظرية التي طرحها تبدو مخالفة لم تعمل به الشركات ولكن، أليس من الأسهل العمل مع شخص نثق به؟ هل نختار العمل مع شخص بارع فيما يفعله ولكنه لا يُظهر الاحترام والصدق للآخرين؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الناس يمكن أن يتعلّموا المهارات والخبرات مع مرور الوقت ولكن، من الصعب أن نجعل شخصًا ما موثوقًا.

وخلُص سيمون سينك في النهاية إلى أن صاحب العمل، إذا كان ملتزما بحماية عمله وتأمينه من المخاطر، فمن الضروري أن يبحث عن الأشخاص الذين يشعر معهم بالأمان.

بناء الثقة

بسبب حرب الاستحواذ على المواهب والأشخاص الجديرين بالثقة، ربما يكون من الصعب أن تحصل على موظفين جديرين بالثقة، وهنا يأتي دورك لكي تبني الثقة داخل الشركة، فالموظفون الذين يفتقرون إلى الثقة لن يكونوا مستعدين للمشاركة ولن يكونوا متحمسين لأخذ زمام المبادرة من أجلك، والأهم أن هؤلاء الموظفين الذين لا يشعرون بالثقة، لا يمكن أن يُعوّل عليهم في حفظ أسرار الشركة.

تولّد الثقة في المنظمة جوًا جيدًا، وفهمًا جيدًا، واحترامًا للالتزامات والاتفاقيات، وقبل كل شيء شكلًا معينًا من الراحة في بيئة العمل مما يشير إلى أننا نؤمن مسبقًا بالنوايا الحسنة للطرف الآخر، وننتظر منه أن يعاملنا بالمثل، وعندما تنشر ثقافة الثقة، فإنك تطور صورة إيجابية فائقة لشركتك، بناءً على قيم المصداقية والأمان والموثوقية، وهو ما يجعل أسرار عملك، إضافة لباقي الممارسات في مأمنٍ من خطر التسريب.

ضمان رضا الموظفين

تُظهر الدراسات التي أجريت في هذا الصدد، على أن الرضا الوظيفي، يعتمد بشكل أساسي على العدالة والثقة التي تُمَارس في الشركة، وكذلك على مدى التقدير الذي يحصل عليه الموظف في بيئة العمل، وبالتالي، يعتقد 80٪ من الموظفين أن ظروف العمل معيار مهم ويحتاجون إلى أن تثق بهم الشركة.

كما ذكرنا سابقا في قصة كوكاكولا، أن الموظف الساخط والذي يعتقد أنه لم يُعامل بطريقة عادلة يمكن أن يتسبب في الكثير من المشاكل للشركة، ويمكن القول أن عدم الرضا الوظيفي لا يؤثر على الإنتاجية والأداء الوظيفي والتغيب عن العمل فقط بل يمكن أيضا أن يُؤثر على سلوك الموظفين في حياتهم المهنية، وحتى الشخصية لذلك، إذا كنت ترغب في أن تشجع موظفيك على الحفاظ على أسرار العمل، من المهم أن تعمل على رفع معدل الرضا الوظيفي.

مع ارتفاع نسبة الرضا الوظيفي، سيشعر الموظف الراضي بالولاء للمنظّم، وهو ما لا يمكن تحقيقه بطريقة أخرى، وسيعمل هذا الموظف لساعات ويتعاون مع الموظفين الآخرين لتحقيق الأهداف التنظيمية، وسيساعد زملاءه وينجز أكثر بكثير مما يمليه الوصف الوظيفي، فالموظفون الذين يتمتعون بالرضا الوظيفي، لا يأتون للعمل فقط بسبب المال، بل لأنهم يشعرون بالدافع والالتزام بأهداف الشركة، ما يعني في النهاية أنك قد أسست منظومة من الموظفين المخلصين الذين يعملون بجديّة لضمان دخل أعلى، والذين سيُحافظون على الأسرار التجارية لعملك دون حتى أن يُطلب منهم.

ما هي الممارسات الأخرى لتحافظ على أسرارك التجارية؟

من المهم إضافة إلى اختيار الأشخاص المناسبين، وبناء الثقة، وتعزيز الرضا الوظيفي أن تقوم بخطوة استباقية للتقليل من خطر تسريب أسرارك التجارية، فيما يلي بعض أهم الممارسات التي ستساعدك في ذلك:

اعرف القانون

تأكد من معرفة القوانين التي ترعى مصالحك التجارية لحماية شركتك، يمكن أن تفرض الحكومات عقوبات على الأشخاص الذين يسرقون الأسرار التجارية لتحقيق مكاسب اقتصادية، تلتزم المملكة بحماية الأسرار التجارية، لذلك أصدرت لائحة حماية المعلومات التجارية السرية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (50) بتاريخ 25/2/1426هـ، لتنظم حماية المعلومات التجارية السرية في السعودية.

تصنيف المعلومات السرية

من الضروري أن تقوم بتصنيف الأسرار التجارية والمواد الحساسة الخاصة بشركتك في سجل مركزي أو قاعدة بيانات كمبيوتر آمنة، وقد يكون من المفيد أيضًا النظر في تصنيف الأسرار التجارية بناءً على قيمتها وحساسيتها، وتعيين من هو المسموح له، ومن لا يُسمح له بالوصول إلى معلومات معينة.

مراجعة معلوماتك السرية

ينبغي كل فترة وأخرى أن تقوم بمراجعة محفظة الأسرار التجارية بانتظام لإزالة العناصر القديمة أو إعادة تصنيفها، واحرص على تحديث الموظفين الرئيسيين الذين وقعوا اتفاقيات السرية بشأن حالة الأسرار التجارية وأي إجراء قانوني حديث تم اتخاذه لحمايتها، تعتبر هذه الطريقة رائعة لتعزيز جدية الحفاظ على السرية.

تثقيف الموظفين

من الضروري أن يعرف الموظفون أهمية حفظ أسرار العمل، ومخاطر الإفصاح عنها، إذا كان الموظفون يعرفون أهمية الاحتفاظ بالمعلومات السرية -وعواقب تسريبها- فسيكونون أكثر حرصا على لحماية أسرارك التجارية.

دور مقابلات الخروج

تلعب مقابلات الخروج دورا محوريا في تذكير الموظفين المغادرين بالتزامهم المستمر للحفاظ على أسرار الشركة، احرص على تذكير الموظفين بأنهم وقعوا اتفاقيات عدم الإفصاح، وبالعواقب المحتملة لانتهاك هذه الاتفاقية.

وأخيرا، إن الحفاظ على أسرار شركتك، هو نتاجٌ لمزيج من الممارسات القانونية الاحترازية، والإجراءات الإدارية التي تضمن رضا الموظفين، وثقافة عمل مبنية على الثقة، وبيئة عمل إيجابية.. إلخ، سيؤدي اتباع هذه الخطوات إلى تقليل مخاطر إساءة استخدام الأسرار التجارية الخاصة بعملك. نأمل أن يكون هذا المقال قد أفادك لمعرفة كيف يمكن أن تدفع موظفي شركتك لحماية أسرار العمل حتى بعد مغادرتهم للعمل بشكل نهائي.