ما هي ثقافة العمل وما أهميتها للمنشآت في السعودية؟

داعمة، تحفيزية، مريحة، إبداعية، ودية، متحدية، نزيهة، بهذه الكلمات تصف المنشآت ثقافة العمل بداخلها، لكن هل الثقافة فعلاً هي الفقرات القصيرة المكتوبة في ملفها التعريفي أو الموقع الإلكتروني؟ يخبرنا الواقع بعكس ذلك، فثقافة العمل الحقيقية هي ما يحدث خلف الجدران، وهي المفاهيم والحقائق اليومية التي يعيشها الموظفون. نتعمق في هذا المقال في تفاصيل ثقافة العمل لنفهم إلى أي مدى تتحول من تصريحات ونصوص إلى تطبيقات عملية في التواصل والمكافأة والنقد وعلاج المشكلات.

جدول المحتويات:

• ما هي ثقافة العمل؟
• ما الفرق بين بيئة العمل وثقافة العمل؟
• مكونات ثقافة العمل
• لماذا ثقافة العمل مهمة لأي منشأة؟
• ما العوامل المؤثرة على ثقافة العمل في داخل المنشأة؟
• أنواع ثقافة العمل الأكثر شيوعاً
• ما سمات ثقافة العمل الجيدة؟
• أمثلة ملهمة لأفضل ثقافات العمل

ما هي ثقافة العمل؟

ثقافة العمل هي التأثير المتراكم الذي تتركه سلوكيات القادة والموظفين ووسائل الرفاهية وسياسات العمل على جميع العاملين في المنشأة، وتتكون من منظومة القيم والمعتقدات والتقاليد والمعايير والافتراضات التي يشترك فيها جميع الموظفين، فتشكل في مجموعها البيئة المعنوية الداخلية والسياق الذي يعملون فيه من أجل تحقيق أهداف المنشأة ورؤيتها. نستنتج من ذلك أنها مفهوم غير ملموس، لكنه يجسد شخصية المنشأة ويترك تأثيراً عميقاً وشاملاً على تجربة الموظف في العمل.

ما الفرق بين ثقافة العمل وبيئة العمل؟

أحيانًا يُستخدم مصطلحيّ ثقافة العمل وبيئة العمل للتعبير عن الشيء ذاته، ولكن حقيقة الأمر أنهما مفهومان مختلفان، فيُقصد ببيئة العمل عادة «البيئة والظروف» المادية والنفسية التي يعملها في ظلها الموظفين، مثل المكاتب أو مقر المنشأة ومساحتها وجودة الأثاث والمساحات الخضراء والنظافة ووجود الأماكن المناسبة للراحة أو الترفيه وبناء الروابط بين الموظفين وغيرها، وذلك على عكس تعريف ثقافة العمل الذي يشمل مفاهيم غير ملموسة مثل القيم والمعتقدات والمعايير لكيفية تفاعل الموظفين ومشاركتهم في المنشأة واتخاذ القرارات.

وتؤثّر الثقافة على بيئة العمل إذ أن الشركة التي تقدّر العلاقات والتعاون بين الموظفين عادةً ما تصمّم بيئتها بشكل يتيح التعاون والتعارف. وكذلك تؤثر بيئات العمل المحفزة على الثقافة بمعنى أن تخصيص مساحة من الشركة للترفيه والراحة تشجع الموظفين على التعارف والاسترخاء عند الحاجة.

وأحيانا يشمل الحديث عن بيئة العمل الثقافة أيضًا كتعبير شامل للبيئات الثلاث: بيئة العمل المادية (المساحة الفيزيائية)، وبيئة العمل التقنية (الأدوات والبنية التحتية)، وبيئة العمل الثقافية (ثقافة العمل).

مكونات ثقافة العمل

تتكون ثقافة العمل في عصرنا الحالي من 4 مكونات أساسية تبلور ملامحها إلى حد بعيد، هذه المكونات هي:

1. درجة المرونة في مواعيد العمل

مواعيد العمل هي أول الشروط التي يلاحظها الموظف حتى قبل أن يلتحق بالمنشأة رسمياً، وتشمل الإجازات الأسبوعية وعدد ساعات العمل اليومي، وفترة الراحة، وهي التفاصيل التي تختلف من منشأة إلى أخرى، غير أنه بشكل عام يمكن القول إن ثقافة العمل السعودية عادة ما تتضمّن يوم عمل يبدأ من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء، مع فترة راحة لمدة 30 دقيقة في منتصف اليوم للراحة والصلاة والطعام، وما يزيد عن ذلك من عدد ساعات العمل يصبح عملاً إضافياً.

أما المنشآت التي تتبنى نظام العمل المرن، فينصب تركيز ثقافة العمل بداخلها على الإنتاجية بدلاً من مواعيد العمل الصارمة، فتسمح للموظفين باختيار مواعيد العمل الخاصة بهم مع الالتزام بإنجاز المهام دون تأخير وبأداء عالٍ.

2. أسلوب القيادة

يعد أسلوب القيادة مكوناً حيوياً في ثقافة العمل بأي شركة، فالمدير الذي يضيق مساحة الاستقلالية للموظفين ويتدخل في أدق التفاصيل يختلف عن المدير الذي يفوّض المسؤولية لفريق عمله، وينعكس هذا الاختلاف في ثقافة العمل في الشركة. بالإضافة إلى ما سبق يتأثر أسلوب القيادة بشخصيات الموظفين واحتياجاتهم، لذلك لا يوجد أسلوب قيادة مثالي في ثقافة العمل يصلح للتطبيق على الكل بإطلاق.

3. التحول الرقمي

يصنع التحول الرقمي فرقاً كبيراً في كيفية عمل الموظفين خاصة وأن سوق العمل حالياً يعتمد بشكل رئيسي على الجيل «زِد Z» الجيل الرقمي الأول في القوى العاملة، لذلك كلما اتجهت المنشأة لتبني الرقمنة في أعمالها بدلاً من الأساليب اليدوية القديمة، زاد رضا الموظفين وترسخ شعورهم بأن وقتهم يستغل على النحو الأمثل، ويرتكز التحول الرقمي على الأتمتة لتخفيف عبء العمل اليدوي عن الموظفين وإفساح المجال للابتكار وتطوير المهارات.

4. النمو المهني

أصبح التطور الوظيفي أحد مفردات العمل في القرن الحادي والعشرين، فالموظف الذي يشعر أن الشركة التي يعمل بها تعيق نموه وتطوره، يسارع في مغادرتها في أقرب فرصة تلوح في الأفق، وهو ما يفرض على المنشآت أن تعتني بخطط تدريب وتطوير الموظفين وتجعلها مكوناً أساسياً في ثقافة العمل الخاصة بها، ويبدأ النمو المهني التعلم الفوري والمنهجي، والإرشاد، والمكافآت المالية، والمشاريع والمهام متدرجة الصعوبة لإثراء الخبرة، حتى يصل إلى إتاحة فرص الترقي الوظيفي والقيادة.

لماذا ثقافة العمل مهمة لأي منشأة؟

ثقافة العمل الإيجابية ليست مطلباً للموظفين فحسب من واقع أنها توفر لهم بيئة عمل مواتية، ولكن القيادات والمديرين أيضاً يستشعرون أهميتها، فتؤكّد ذلك نتائج استطلاع رأي أجرته "ديلويت" الرائدة في الخدمات المهنية، والذي أظهر أن 94% من المديرين التنفيذيين يؤمنون بأهمية ثقافة العمل في تحقيق النجاح. بناء على ما سبق، سنتطرق الآن إلى أهم الأسباب التي تفسر أهمية ثقافة العمل في أي مكان:

جذب أفضل الكفاءات

تصنع ثقافة العمل الصحية سمعة جيدة للمنشأة في سوق التوظيف وتقدم عنها صورة إيجابية في أعين المجتمع والعملاء، وبالتالي تجعل المتقدمين للوظائف أكثر حماساً للانضمام إلى بيئة العمل ذات القيم الإيجابية التي تشجع على النمو، خاصة الموظفين الأكثر خبرة ومهارة، إذ تضع هذه النخبة في حسبانها عند البحث عن عمل ثقافة الشركة قبل التقدم للوظيفة، ويستندون إلى حدسهم في تحديد إلى أي مدى تتناسب ثقافة المنشأة مع شخصياتهم وقيمهم بما يمكنهم من التفوق والازدهار.

الاحتفاظ بالموظفين

عندما توفر المنشأة للموظف سياسات عمل ترتقي بتجربته، مثل المكافآت وساعات العمل المرنة، يتعزز شعور الموظف بالدعم والأمان وتتلاشى المبررات التي تجعله يفكر في مغادرتها، يقود ذلك إلى زيادة معدل الاحتفاظ بالخبرات والمهارات وانخفاض معدل دوران الموظفين، وبالتالي توفير تكلفة ووقت توظيف وتدريب موظفين جدد.

رفع الروح المعنوية

يشعر الموظف في ظل ثقافة العمل الجيدة بالتقدير والدعم، وبالتالي تكون معنوياته في أفضل حالاتها، باذلاً قصارى جهده لتحقيق الأهداف بسرعة وكفاءة، ويعمل بروح عالية في مواجهة التحديات، على سبيل المثال عندما تكرم الشركة الموظفين المتميزين فإنها في الوقت نفسه تحمس باقي الموظفين لكي يحذو حذوهم وينالوا التكريم. 

حِسّ أعلى بالمسؤولية

تبني ثقافة العمل الصحية شعوراً بالثقة لدى الموظفين، يجعلهم أكثر قدرة على تحمل المسؤولية عن عملهم سواء نجاح أو إخفاق على حد سواء، كما يغير منظورهم للتحديات كفرص للتعلم لا التنافس مع بعضهم البعض وإلقاء اللوم على الآخر، بالإضافة إلى ما سبق يشجع الشعور بالمسئولية الموظفين على شحذ طاقاتهم الإبداعية وطرح أفكار مبتكرة دون قلق من الرفض.

أرباح أكثر

تصب العوامل السابقة في هذا السبب، فالموظف الذي يحب ثقافة العمل في الشركة يعمل بأداء أفضل ويشارك بنشاط وفاعلية أكبر وبالتالي يحقق نتائج أكثر تميزاً، وهو ما يؤثر على أرباح المنشأة في الأخير.

ما العوامل المؤثرة على ثقافة العمل في داخل المنشأة؟

لا يمكن الفصل بين ثقافة العمل في المنشأة ومجموعة من العوامل المحيطة التي تترك تأثيراً عليها، لذلك نشير فيما يلي إلى أهم هذه العوامل داخل المنشأة:

القيادة

القيادة هي الفاعل الرئيسي الذي يؤطّر ثقافة العمل ويحدد مكوناتها، لذلك فهي أكثر العوامل تأثيراً لأنها صانع القرار الذي يرسم مسارات التفاعل وطرق التواصل مع الموظفين وكيفية مكافأتهم.

سياسات الشركة

تُمثّل سياسات الشركة رافد أساسي يلقي بظلاله على ثقافة العمل، فمثلاً سياسات العمل الودية التي تعترف بقيم الموظفين والتقاليد المجتمعية، مثل قواعد الزي ومواعيد الحضور وقواعد السلوك مع تفهم طبيعة احتياجات الموظفين وسن سياسات تواكبها، تساعد مثل هذه السياسات في إرساء ثقافة عمل صحية بلا شك.

الموظفين

الموظفون وإن كانوا لا يسنون بأنفسهم ثقافة عمل المنشأة، إلا أنهم أحد العوامل المهمة التي تؤثر في ثقافة العمل، فمجموع أفكارهم وآرائهم وقيمهم هي التي توجه ثقافة العمل الفعلية السائدة في جنبات الشركة، ولا يعني ذلك التطابق التام بين جميع الموظفين، بل الشائع هو وجود تفاوت بينهم، إلا أن احترام الكل والعمل بروح الفريق سيحجم من الأثر الضار لهذا التفاوت.

التواصل

التواصل هو أحد المفردات الهامة في التعاملات اليومية داخل الشركة، لذلك عندما تكون قنوات الاتصال مفتوحة بين الموظفين والرؤساء في كلا الاتجاهين، يستطيع الموظفون مشاركة الأفكار وطرح الآراء بصراحة، وهو ما يجعل ثقافة العمل جيدة، والعكس بالعكس.

8 من أنواع ثقافة العمل الأكثر شيوعاً

لن يكتمل الحديث عن ماهية ثقافة العمل دون مناقشة الأنواع المختلفة لثقافة العمل، إذ تندرج معظم ثقافات المنشآت ضمن نفس هذه الأنواع الشائعة، فيما يلي نبذة عن كل نوع لنفهم كيف يبدو وما إيجابياته وسلبياته:

ثقافة اللامركزية

الثقافة اللامركزية هي ثقافة عمل تمنح الموظفين قدر كبير من الاستقلالية والمرونة في العمل، وتركز على المهارات بدلاً من المنصب الوظيفي، لذلك فهي أكثر فعالية في تبني المبادرات الجديدة وإيجاد حلول سريعة للمشكلات، ورغم ذلك يعيب هذه الثقافة صعوبة إشراف القيادة العليا على المشاريع وفقدان التواصل بين أقسام الشركة وبعضها البعض لغياب قواعد موحدة تسري على الكل، وبالتالي تكون أقسام الشركة أكثر عرضة للعمل كجزر منفصلة.

ثقافة العشيرة

كما يتضح من الاسم، ترسخ هذه الثقافة مفهوم العمل كعشيرة بين جميع العاملين في المنشأة من موظفين إلى قيادات، إذ يعملون فيها كعائلة يحظى الكل بالدعم والتقدير دون فرق، مع قلة عدد المستويات الإدارية، فالجميع يقف على الدرجة نفسها من السلم الوظيفي، تتميز هذه الثقافة بتقوية الروابط بين زملاء العمل والمديرين فالكل يشعر بارتياح في التعامل ويدلي برأيه وملاحظاته بصدق وسلاسة، ويعيبها فقط أنها قد تشجع الموظفين على التراخي في العمل.

ثقافة التركيز على العملاء

تضع هذه الثقافة رضا العميل كأولى أولوياتها، ولأجل ذلك تمنح الموظفين الأدوات والسلطة التي يحتاجونها لتقديم أفضل تجربة للعميل، حيث يكون الموظف حراً في عمل ما يجب عمله لإسعاد العميل وحل كل مخاوفه ومشكلاته، وهو ما يعزز ولاء العملاء وبالتالي يصب في نجاح المنشأة، رغم ذلك يعيبها أن الموظفين يشعرون أحياناً بالإهمال وأنهم أقل أهمية في هذه الثقافة التي تضع العميل في المقدمة.

الثقافة الهرمية

الثقافة الهرمية هي الثقافة البيروقراطية التقليدية التي تعتمد على هيكل إداري متدرج يتكون من رؤساء أقسام ومشرفين وموظفين مع رتب ومسؤوليات مختلفة وأدوار واضحة، وتمثل نوع الثقافة الآمن الذي يلتزم بالقواعد والتقاليد التنظيمية لضمان الكفاءة وتجنب المخاطرة والوقاية من الأخطاء، لذلك غالباً ما تكون اختيار المنشآت العاملة في صناعات عالية المخاطر، مثل النفط والتمويل والصحة والقطاع الحكومي، إلا أن أهم سلبياتها افتقار المرونة في العمل، بالإضافة إلى أن البعض يراها مملة وقديمة وغير جذابة.

ثقافة موجهة نحو السوق

تركز هذه الثقافة على النتائج التجارية التي تتحقق في المقام الأول، لذلك تعطي الأولوية للعمل الجاد وطرح منتجات جديدة في السوق وتحسين المركز التنافسي، ورغم أنها ثقافة يحبها الموظفون الطموحون ممن يبحثون عن التحديات في العمل، إلا أنها الثقافة الأكثر إرهاقاً للموظفين، إذ يكون التركيز على الأداء والنتائج فقط بغض النظر عن مقدار العمل الذي يؤديه الموظف، مع اهتمام ضعيف بتجربة العمل التي يعيشها.

ثقافة موجهة نحو الأهداف

المقصود بالأهداف هنا الأهداف القوية المحفزة التي أنشئت الشركة من أجل تحقيقها، وهي ثقافة تعلى من حس المسؤولية الاجتماعية ورد الجميل للمجتمع على حساب زيادة الأرباح بشكل يومي، وبالتالي لا مشكلة لديها في هامش الربح المنخفض ما دامت تسير بخطى ثابتة نحو رسالتها وهدفها الأخلاقي، لذلك هي إحدى أفضل ثقافات العمل التي يحبها العاملون وتتميز بارتفاع معدل الاحتفاظ بالموظفين.

ثقافة الابتكار

تركز ثقافة الابتكار على تطوير أحدث وأفضل الأفكار لتحسين سير العمل وتقديم الخدمات التي يحتاجها الجمهور سواء حالياً أو مستقبلاً، لذلك تجتهد في بناء حلول جديدة انطلاقاً من الحلول الحالية، وتتميز هذه بمنح الموظفين حرية أكثر في التجربة والعثور على حلول حتى إن كانت للوهلة الأولى تبدو غامضة أو غير فعالة بهدف أخير هو رفع سقف الممكن. رغم ذلك فإن الأفكار الجديدة التي تجوب أروقة الشركة باستمرار تجعل الموظفين أحياناً يعانون من الإرهاق بسبب صعوبة مواكبة هذه التحولات التي لا تتوقف.

ثقافة الإبداع

ثقافة الإبداع هي الثقافة التي تحرص على صنع منتجات وخدمات وسرد قصص يحبها الناس تبعدهم عن هموم وأعباء الحياة اليومية، تقدر هذه الثقافة أهمية إثراء العالم بتجارب جديدة غامرة، لذلك تشجع الموظفين على التعاون والعمل كفريق وصقل إبداع بعضهم البعض، وهو ما يصنع روابط أقوى بينهم، ونظراً لارتفاع سقف التوقعات في النتائج المطلوبة، قد يشعر الموظفون بالضغط بسبب عدم استطاعتهم تحقيق هذه التوقعات.

ما سمات ثقافة العمل الجيدة؟

إن كان ثمة موضوع ينبغي عليك إدراكه من هذا المقال، فسيكون هو هذا العنوان "سمات ثقافة العمل الجيدة"، فبعد كل ما قيل عن ثقافة العمل ومكوناتها والعوامل المؤثرة فيها وأهميتها، يطرح هذا السؤال نفسه: ما أهم السمات المشتركة لأي ثقافة عمل صحية بصرف النظر عن نوعها؟ والإجابة فيما يلي:

العدالة

المعاملة غير المنصفة للموظفين والتفرقة بينهم هي أكثر ما يحطم المعنويات ويولد الاستياء ويفقد الثقة بين الزملاء، وتأخذ صوراً متعددة من أبرزها التحيز والمحسوبية، لذلك من البديهي أن ترسي ثقافة العمل مفهوم العدالة بحيث يكون معيار الحكم على الموظف مبني على عمله فقط.

 التقدير

يقول النبي صلى الله عليه وسلم من "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، لذلك فإن تقدير جهود الموظفين عندما يحسنون العمل أمر حيوي من أجل بناء ثقافة عمل صحية ترفع معنوياتهم وتشجعهم على التميز والعمل بجد أكبر، ويأخذ التقدير أشكالاً مختلفة مثل التقدير المعنوي بالتكريم والاعتراف علناً أمام الزملاء، والتقدير المادي مثل المكافأة المالية أو إجازة استثنائية أو غيرها من صور المكافأة.

حرية التعبير عن الرأي

لا غضاضة من أن يفسح المجال للموظفين للتعبير عن أفكارهم وإبداء تعليقاتهم، بل وطلب آرائهم بشأن قضايا العمل، فإن ذلك يشعرهم بالاحترام والتقدير ويحسّن من معدلات الرضا الوظيفي.

تفهم الاحتياجات

يعني تفهم احتياجات الموظفين إبداء مرونة كافية في العمل تواكب الظروف غير التقليدية، فمثلاً ينبغي في أيام العطلات والإجازات الرسمية عدم إلزام الموظف بالعمل حتى وقت متأخر، لكي لا يشعر بالإحباط والاستنزاف، ولا يعني ذلك الإخلال بالانضباط، بل يعني حسن تقدير الأمور والموازنة بين احتياجات الموظف وحاجة العمل.

التواصل الجيد

التواصل الجيد هو شرط أساسي لفرق العمل القوية، ويعني تمكين الجميع من تبادل الملاحظات ووجهات النظر وطرح الحلول ومناقشة الموضوعات المهمة، سواء على المستوى الرأسي بين الموظفين والإدارة، أو على المستوى الأفقي بين الزملاء بعضهم البعض.

5 أمثلة ملهمة لأفضل ثقافات العمل

في كل عام، يصدر موقع Great place to Work قائمة بالشركات التي تقدم لمنسوبيها أفضل ثقافة عمل بناء على آراء الموظفين في كل شركة، ولاستلهام أفكار من أمثلة حقيقية في الواقع، سنأخذ جولة في أروقة الشركات التي جاءت على رأس هذه القائمة للعام الحالي، لنفهم ملامح ثقافة العمل بداخل كل منها:

فنادق هيلتون

أعرب موظفو هيلتون بأن أهم ما يميز سلسلة الفنادق العالمية هيلتون هي أن الشركة تبذل قصارى جهدها في تكريم الموظفين وتقديرهم، كما أنها ترحّب بالأفكار الجديدة التي يطرحها الموظفون -حتى لو كانوا مؤقتين- وتأخذها على محمل الجد، أما الميزة الأكثر قيمة التي توفرها هيلتون لموظفيها هي الخبرة التعليمية التي تمنحها لهم ودعمها لفرص النمو المهني، فضلاً عما سبق تتسم القيادات في هيلتون عموما بالدعم والتفهم والتشجيع للمرؤوسين.

 سيسكو Cisco

سيسكو هي واحدة من أكثر الشركات دفئاً وترحاباً ودعماً، فعلى حد وصف موظفيها الكل يعمل من أجل الكل، زملاء ومديرين، ويستطيع الموظف الحصول على إجازة في أي وقت يحتاجه، كما أن الشركة تمنح منسوبيها الكثير من المسؤولية وتتيح لهم تبادل الوظائف معاً كنوع من التدريب المتبادل، أما إدارة الممارسات التجارية لسيسكو فتتسم بالصدق والأخلاق.

إنفيديا NVIDIA

إنفيديا هي واحدة من أكبر شركات إنتاج معالجات الجرافيك وألعاب الفيديو، تتميز ثقافة العمل فيها بأنها ثقافة أفقية وليست هرمية، فالكل يشعر بالاحترام والعدالة، ومن السهل على أي موظف أن يشارك أفكاره والتحدث مع كبار القيادات، بل وتشجع الشركة منسوبيها على التفكير وطرح الأفكار الجديدة، كذلك تمنح الشركة الموظفين كافة المسؤوليات التي يحتاجونها، ولا تسرح الموظفين إلا بعد استنفاذ كل البدائل المتاحة.

أميريكان اكسبريس American Express

تتميز شركة المدفوعات المرموقة أميريكان إكسبريس بالدعم والمساعدة التي يشعر بها الموظف من زملائه في أي وقت يحتاج فيه إلى ذلك، كما أنها تساعد الموظفين على التطور المهني بتحديات جديدة تستغل نقاط تفوقهم وتمكنهم من تعلم مهارات جديدة مهمة، وتمنح الشركة مرونة كافية لهم تتيح التوفيق بين عملهم وحياتهم الشخصية، باختصار توفر لمنسوبيها الأجواء اللازمة لتقديم أفضل ما لديهم.

سينكروني Synchrony

سينكروني هي سلسلة شركات متخصصة في الخدمات المالية، تقدم لموظفيها مزايا فريدة من نوعها، مثل إجازة اختيارية في آخر أيام العمل الأسبوعية تتيح لهم تحقيق بعض التوازن بين العمل والحياة، بالإضافة إلى التأمين الصحي الشامل (مثل الأسنان والإبصار ..إلخ)، وخطط للادخار، كما أنها تعامل الجميع بعدالة، ومن السهل أن يتواصل الموظفين مع القيادات دون أي عوائق. 

أخيراً، تختلف نظرة كل منشأة إلى ما ينبغي أن تكون عليه ثقافة العمل بداخلها، اعتماداً على الصناعة التي تعمل فيها والموظفين وفكر الإدارة، إلا أن كل دقيقة تبذل في رسم وتنفيذ هذه الثقافة تستحق، لما لها من مردود قوي على نتائج أعمال المنشأة ككل.