ترسم أفضل المواهب في الشركة ملامح المستقبل، هم من سيطلقون المشاريع الجديدة ومن سيعثرون على حلول لتوفير النفقات ومن سيبنون أقوى العلاقات مع العملاء، ومن سيدفعون قاطرة الإبداع. تملك هذه الفئة الموهوبة شكلاً غير تقليدي من القوة في عصر الابتكار والتقنية هو «قوة الموهبة»، التي تجعل الشركات تتهافت عليهم خاصة في ظل حالة الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه المملكة، والحيوية التي تسري في أوصال سوق العمل، إذ يزيد ذلك من هامش حرية التنقل المتاح لهذه الفئة الموهوبة في أي اتجاه شاءت.
تستدعي خفة الحركة تلك يقظة من الشركات وعمل دؤوب للحفاظ على هذه المواهب وإيقاف نزيف المهارات الذي يحدث كلما غادر أحدها، لذلك نناقش فيما يلي مجموعة من الاستراتيجيات التي تساعد المنشأة في تحقيق هدفها بالحفاظ على المواهب في العمل.
إستراتيجيات الحفاظ على المواهب
1. تصميم برامج تطوير رفيعة المستوى
قبل ما يزيد عن 15 عاماً مضى، واجهت شركة جونسون أند جونسون تحدياً إدارياً حقيقياً تمثل في نقص الكفاءات المطلوبة في قطاع الجودة، فابتكرت أحد أفضل نماذج برامج تطوير الموظفين والذي سمي «LeAd»، إذ قامت فكرته على اختيار المديرين للموظفين الذين يرونهم مؤهلين للقيادة في غضون ثلاثة أعوام على الأكثر.
فخضعت هذه المجموعة إلى برنامج تدريبي مدته 9 أشهر، حصلوا فيه على النصائح والتوجيهات من مدربين من خارج الشركة، وعملوا على تطوير مشروع منتج أو خدمة أو نموذج أعمال جديد، وبعدها خضع عملهم لتقييم في جلسة ضمت قيادات بارزة في الشركة، ليتخرج بعدها المتدربين من البرنامج بخطة تطوير فردية لكل منهم على مدى عدة سنوات، راجعها دورياً رؤساء الموارد البشرية لضمان تنفيذها وإعادة تعيينهم في المواقع المناسبة.
تسلّط هذه التجربة الضوء على أن الاستثمار في تطوير الموظفين طريقة مثالية لضمان مساهمة الموظفين بفعالية وربط مستقبلهم الشخصي بمسارهم المهني الصاعد في الشركة، ويعني ذلك أن برامج التطوير البسيطة التي تقدم فرصاً محدودة أو تركز على المهارات المطلوبة اليوم وليس غداً، ليست هي برامج التطوير التي تستهوي أفضل المواهب، بل تحتاج هذه الفئة إلى برامج مصقلة تستخرج أفضل ما لديهم من طاقات وإمكانات، يمكن تلخيص ملامحها فيما يلي:
- ينبغي أولاً قياس مدى رغبة الموظف في تقلد منصب إداري، وما نوعية هذا المنصب؟ وما المؤشرات التي تقيس قدرة الموظف على توليه؟
- تصميم فرص تطوير واسعة النطاق لا يستأثر فيها المدير بالموظف فارضاً عليه الحماية من المشاركة في قسم أو قطاع آخر، بل ينبغي النظر إلى القدرات والطموح ومستوى المشاركة الذي يستطيع الموظف تقديمه في الشركة عموماً.
- استبدال المهام التدريبية التي تقوم على المحاكاة في بيئة آمنة، بمهام أخرى حيوية وواقعية دون خوف من خطر الفشل، إذ تضمن هذه المهام الحقيقية البناء على خبراتهم الحالية بخبرات جديدة تجعلهم قادرين على حل التحديات الكبيرة والمتجددة التي يتوقع أن تواجهها الشركة مستقبلاً.
2. متابعة مستوى الرضا الوظيفي بانتظام
الخطوة الاستباقية الأساسية التي ينبغي أن تقوم بها الشركة قبل أن يقرر الموظف الكفء مغادرتها، هي إجراء عملية «جسّ نبض» دورية تقيس فيها مدى رضاه عن العمل، ولا يعني ذلك سؤاله: «هل أنت راض عن وظيفتك الحالية» بل طرح أسئلة مهمة أخرى مثل:
- إذا لم يكن سعيداً، فلماذا؟ وإذا كان راضياً فلماذا أيضاً، أي ما سياسات الشركة التي ترى أنها سليمة 100%؟
- ما الذي من الممكن أن يجعلك تقبل العمل في شركة أخرى الآن؟ إذ تكشف الإجابة عن معاييره للوظيفة المثالية وما يفتقده في الوظيفة الحالية.
- إلى أي مدى ترغب أن تترقى في الشركة؟ وبأي سرعة؟ وما هي طريقة التقدير المثلى بالنسبة لك؟ وما رقم الراتب أو المكافأة الذي يرق لمستوى طموحك؟
- ما المهارات التي تريد تطويرها؟ وما أهدافك طويلة وقصيرة الأجل؟
- أي جوانب العمل تعد أكثر صعوبة وأيها أكثر جدوى؟
ينبغي أن تجمع تلك الإجابات رؤية واضحة عن مدى سعادة الموظف بعمله ومدى ملائمة الفرص المهنية المقدمة له مع طموحاته، ومدى توافق طموحاته مع ما تقدمه الشركة بالفعل من مزايا في الراتب والمكافآت، وفي ضوء ذلك تلاحظ الشركة الفجوات وتعمل على جسرها. وتجدر الإشارة هنا إلى دور الاستبيانات المجهولة، التي قد تكون أداة فعالة في الحصول على إجابات صادقة وشفافة من الموظفين دون قلق من كشف هويته، وهو ما يساعد في الحصول على رؤية حقيقية للوضع من وجهة نظر الكفاءات.
أما إذا تأخّر وقت التصحيح وقرر الموظف مغادرة الشركة، فتمثل مقابلة المغادرة فرصة ثمينة لتقييم الوضع لباقي الموظفين الموهوبين وتجنيبهم المصير نفسه، إذ يمكن استخدام هذه المقابلة لفهم السبب الذي يجعل موظف كفء يقرر ترك الشركة، وما التحسينات التي لو حدثت لكان استمر في العمل؟
3. تقدير الموظفين
نظرة عابرة على ثروات كبار قادة الشركات في العالم في جوجل ومايكروسوفت وإيباي وغيرها، تصل بنا إلى نتيجة مفادها أن الرواتب والمكافآت المالية الضخمة هي دافع أساسي ومفتاح لاستمراريتهم في مواقعهم، ويعني ذلك أهمية أن تكون المكافآت متماشية مع مساهمة الموظف الكفء في الشركة، وتأخذ المكافأة أشكالاً متنوعة من بينها -على سبيل المثال لا الحصر-:
- تخصيص نسبة من الوفورات لمكافأة الموظفين المؤهلين للقيادة.
- مضاعفة العمولة التي يحصل عليها موظفي المبيعات.
- شراء وجبات غداء يومية للموظفين.
- مراجعة الرواتب باستمرار وتعديلها للتأكد من تنافسيتها في سوق العمل.
- زيادة الرواتب بشكل ثابت ومتوقع سنوياً بحيث تغطي هذه الزيادة أي تضخم في الأسعار.
وعلى الرغم من أن الموظف الموهوب يتمتع بدافعية عالية وحوافز يستقيها في الأساس من داخله وبالتالي فهو لا يستجدى الثناء من أحد، إلا أن التقدير هو ثمرة طبيعية يتوقعها بعد جهده الكبير المبذول وصراعه اليومي مع تحديات مختلفة لا يرى بديلاً عن الفوز فيها، ويمكن أن يأخذ التقدير أشكالاً متعددة، مثل:
- الثناء على إنجازات محددة حققها، وليس على مجمل عمله عن الفترة الماضية، إذ يعكس ذلك أن جهده استثنائي ومرئي.
- تكريمه في حفل توزيع جوائز سنوي.
- اختياره موظف الشهر وتكريمه بشكل خاص باعتباره الأفضل أداء.
- تهنئته على إنجازاته الشخصية، مثل الفوز بجائزة في مجاله، أو إتمام مسار دراسي.
- الاحتفاء بإنجازاته في العمل في النشرة الداخلية للشركة عبر البريد الإلكتروني، وحث زملائه على تهنئته.
- إطلاق اسمه على إحدى مبادرات الشركة.
4. إشراكهم في استراتيجية الشركة
يستثمر الموظف الموهوب طاقته ووقته في تطوير مهاراته، ما يولد لديه شعوراً باستحقاقه تحمل المزيد من المسؤولية والاضطلاع بدور أكبر في المنشأة وأن تكون نصائحه وخبرته محل اهتمام، لذلك ينبغي على الشركة أن تدمج موظفيها اللامعين في استراتجيتها للمستقبل بحيث ينشأ ارتباط قوي بينهم وبين المهام الكبرى التي لا يشارك فيها عامة الموظفين، ومن أمثلة هذا الدمج:
- الاطلاع على مناقشات مجلس الإدارة للتحديات الكبرى التي تواجه الشركة وتشجيع النجوم الصاعدة من الموظفين على طرح أفكارهم وآرائهم وإبداء استعدادهم للاضطلاع ببعض المهام، ويفتح ذلك الوقت ذاته خط اتصال مباشر بين الإدارة التنفيذية وأفضل الموظفين.
- إرسال تحديثات لهم عبر البريد الإلكتروني حول أداء الشركة والتحولات الاستراتيجية المتوقعة.
- دعوتهم إلى اجتماعات ربع سنوية مع كبار المسؤولين.
- إطلاعهم على لوحة المعلومات الخاصة بتحديد استراتيجية الشركة وأهم مقاييس العمل.
- العمل كمجلس ظل يشارك في التصويت على القرارات الإستراتيجية التي تحدد الاتجاه الذي تسير الشركة في الفترة القادمة.
- العمل في فرق للمساعدة في حل القضايا الإستراتيجية المهمة، ومناقشة توصياتهم مع كبار المسؤولين.
5. إرساء ثقافة عمل إيجابية
يرغب الموظف الموهوب في العمل في ظل ثقافة عمل يشعر فيها بالاحترام والراحة، فلا يطارده الشعور بالقلق أو الإحباط صبيحة كل يوم عمل بسبب أجواء العمل السامة. تركز ثقافة العمل الإيجابية على ما يلي:
- تشجيع روح العمل الجماعي وتقوية الروابط بين أعضاء الفريق الواحد لتعزيز الشعور بالانتماء وروح الصداقة.
- القيادة بالتعاطف التي تضع احتياجات الموظفين على رأس الأولويات، سواء بمنحهم إجازات طبية مدفوعة أو استقلال أكبر أو تمكينهم من التواصل السريع مع الرؤساء، بحيث ترسل تلك المبادرات رسالة مفادها أن صحة الموظف النفسية والجسدية محل اهتمام وعناية من القيادة.
- الالتزام بالمصداقية والوفاء بالوعود وإظهار اهتمام حقيقي برفاهية الموظف، واستعداد القيادة تغيير السياسات إذا لزم الأمر.
- توفير خيار العمل المرن بحيث يتمكن الموظف من تحقيق التوازن بين عمله الدؤوب وحياته الشخصية التي تحتاج إلى جهد وتفاني لا يقل عن الذي يبذله الموظف في عمله، لذلك اسأل أفضل الكفاءات عن الخيارات التي يريدونها، مثل العمل من المنزل، وساعات العمل المرنة، وزيادة عدد الإجازات، بحيث يستطيع الموظف الوفاء بجميع بالتزاماته الأسرية وحماية نفسه من الاحتراق الوظيفي قبل فوات الوقت.
6. التحول الرقمي للموارد البشرية
يرى الموظفون الأكفاء الطرق الروتينية التقليدية في ممارسة العمل أنظمة عقيمة لا مبرر للإبقاء عليها، فمع تحول كل جوانب الحياة إلى الأتمتة، يتوقع الموظف أن تتغلغل الأتمتة في العمليات الروتينية كذلك، لتتولى القيام بها بدلاً منه، وبالتالي استخدام الوقت والجهد المتوفر للعمل بطريقة أكثر ذكاء.
فمثلاً ملء المستندات الإدارية، وتقديم الطلبات، وإتمام حجوزات السفر، وإرفاق الملفات، وحتى الاطلاع على سياسات المنشأة والمعلومات الشخصية الهامة مثل تفاصيل للراتب ورصيد الإجازات في أي وقت، تختزل أنظمة الموارد البشرية القائمة على الأتمتة الوقت الذي تستغرقه هذه العمليات، وجسر -برنامج الموارد البشرية الأكثر تكاملاً في السعودية- مثال على ذلك، إذ يوفر أدوات شاملة تؤتمت عمليات الموارد البشرية، مثل تسليم الرواتب، وتقديم الطلبات، وبوابة للخدمة الذاتية، وإصدار تذاكر السفر وإدارة رحلات العمل، ليتمكن الموظف من إنجازها بسهولة وسرعة من أي مكان وبأمان تام.
أخيراً، تحتاج أفضل المواهب في الشركة إلى معاملة استثنائية لا تركز فقط على المزايا المالية بل على التطوير المهني وثقافة العمل وعدم تجاهل أفكارهم وخبراتهم، يشعرون في ظلها بأنهم قوة قيّمة وفاعلة وأن نموهم المهني قرين لاستمرارهم في المنشأة.
اقرأ أيضًا على مدونة جسر

اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية
ابدأ الآن مع جسر
اطلب العرض التوضيحي الخاص بك