يعتقد الكثير من المسؤولين أن الأسباب التي تدفع الموظفين إلى تقديم استقالتهم تقتصر فقط على رغبة هؤلاء الموظفين في تَلقي رواتب أعلى. لكن يُوضِّح الاقتصاديّ الأمريكي ريتشارد ثالر Richard Thaler في كتابه Nudge أن ذلك ما هو إلا سبب واحد يدفع الموظفين إلى البحث عن وظائف توفر لهم مكاسب مالية أفضل.
وإذا نظرت معي إلى ما تُخبرنا به الإحصاءات والمتخصصون، ستجد أن هناك أسباب متعددة تختلف تبعًا لأهداف الموظف ومدى توافقه مع الشركة ودوره الوظيفي فيها. على سبيل المثال، يتفق 33.2% من القادة على أن تأثر الصحة النفسية لموظفيهم بسبب ظروف العمل كان عاملًا رئيسيًا في تركهم وظائفهم؛ فالضغوط الناتجة عن بيئة العمل غير الصحية، مثل التوتر المستمر والتفاعلات السلبية مع الزملاء أو الإدارة، تُعَد من العوامل المهمة التي تدفع الموظفين إلى الاستقالة.
وأكدت دراسة نُشرت عام 2021 بعنوان How Toxic Workplace Environment Effects the Employee Engagement على تأثر مشاركة الموظفين في وظائفهم سلبيًا إذا كانوا في بيئة عمل سامة. ولا يقتصر هذا التأثير السلبي على تقديم الاستقالة أو عدم تأدية الموظفين لمهامهم بفاعلية، بل ينتج عنه إغراق أعضاء الفريق الآخرين بمشاعر سلبية تُقلل من إنتاجيتهم وقد تُضيِّع جهودك في إدارة الموارد البشرية بالكفاءة المنشودة.
لكن السؤال هنا: هل هذه هي كل الأسباب التي تدفع الموظفين لإنهاء خدمتهم؟
في كتابه The 7 Hidden Reasons Employees Leave، يجيبنا عن هذا السؤال المؤلف وخبير أداء الموظفين لي برانهام Leigh Branham؛ إذ يُوضِّح أن هناك أسباب رئيسية تدفع الموظفين إلى الاستقالة غير ما أشرت إليه بالأعلى، أذكر منها ما يلي:
1. مخالفة الدور الوظيفي لتوقعات الموظف
قد يمتلك الموظفون توقعات تختلف جزئيًا أو كليًا عن دورهم الوظيفي على أرض الواقع، وسُرعان ما يُصدمون بعدم توافق المهام مع ما يودون القيام به. وربما ما يُولِّد هذه النتيجة هو التوظيف السريع للعاملين دون تزويدهم برؤى شاملة حول ما يُتوقع منهم، أو قد يتسرع الموظف بالتقدم على الوظيفة وقبول عرضها دون الاطلاع الكافي على سياسات الشركة ونظام عملها من الداخل.
إذًا، كيف يمكنك مواجهة هذا السبب؟
- تأكد من مشاركة جميع المعلومات المهمة مع المرشحين المحتملين.
- لا تتسرع في قبول أحد المرشحين دون التأكد من توافق رؤيته وتوقعاته مع ما يُمكن أن تعرضه له شركتك.
- اسأل المرشح مباشرةً في أثناء المقابلات الشخصية عن توقعه لمهام الوظيفة ودورها، وقَيِّم مدى عُمق بحثه عن شركتك وفهمه للدور الوظيفي المقبل عليه.
يخبرنا لي برانهام في هذا الصدد عن طريقة يتبعها مصرف Wells-Fargo الأمريكيّ عند تعيين الموظفين الجدد؛ إذ يعرض مسؤول التوظيف على كل مرشح مجموعة من مقاطع الفيديو التي تُظهر عملاءً غاضبين يطلبون طلبات غير منطقية، ثم يُوقف المسؤول مقطع الفيديو ويسأل المرشح عن طريقته التي يُمكن أن يتبعها في التعامل مع هذا الموقف.
يُوضِّح برانهام أن هذه الطريقة ينطبق عليها المثل القائل «ضرب عصفورين بحجرٍ واحد»؛ لأنها تسمح لك باختبار قدرة الموظف على التعامل مع مهام وظيفته اليومية، وفي الوقت نفسه تُطلع المرشحين على نوعية المهام التي يُتوقَع منهم التعامل معها. وإذا وجد الموظف أن هذه المهام غير مقبولة أو لا تناسبه، يمكنه إعادة النظر في التقدم إلى الوظيفة والانسحاب.
2. غياب الفرص التدريبية
يقول برانهام: «يُعَد الاعتناء بالموظفين وسيلة أساسية للاعتناء بعملك». ولكن على الرغم من وعي كثير من المسؤولين بذلك، إلا أنهم لا يُوفرون فرص نمو حقيقية لموظفيهم. ويُوضِّح أحد الاستبيانات أن 65% من الموظفين يريدون المزيد من التقييمات والتغذية الراجعة من مسؤوليهم. ومن المنطقي أنه إذا لم يحصل الموظف على إشباع لتلك الاحتياجات، سيضطر إلى تقديم الاستقالة.
إذًا، كيف يمكنك مواجهة هذا السبب؟
- تواصل مع الموظفين واطلب منهم التعبير عن توقعاتهم وآرائهم بشأن فرص النمو المهني والشخصي في شركتك.
- اسأل الموظفين عن الدورات التدريبية التي يحتاجونها في عملهم.
- وَفِّر لموظفيك هذه الدورات، سواءً أكنت ستُوفرها لهم من خلال تدريبيات على أرض الواقع أو عن طريق مجموعة من الدورات التنموية على مواقع الإنترنت التعليمية.
- وضّح لهم الأساليب التي تتبعها لمساعدتهم في تطوير مهاراتهم من حينٍ لآخر، ولا تنسَ معرفة تقييماتهم حول محتويات التدريب التي تُقدمها لهم.
3. عدم توافق الموظف مع الوظيفة
قد يتسرع المسؤولون في توظيف أحد المرشحين؛ ظنًا منهم أنه قد يُؤدي المهام المتوقعة منه إذا حصل على التدريب الكافي أو بسبب خبرته في مهام شبيهة في شركةٍ أخرى. ولكن إذا فكرت معي هنا، ستجد أن أضرار هذه الطريقة في التوظيف أكبر من فوائدها، لأنها لا تُعرفك على ثقافة المرشح ومدى توافقها مع ثقافة شركتك ورؤيتها. أضف إلى ذلك، وجود عقبات محتملة عند تدريب الموظفين الجدد؛ مما قد يُؤثر على مواردك وطاقة فريقك.
إذًا، كيف يمكنك مواجهة هذا السبب؟
- استعن بالمقابلات القائمة على السلوك لفهم شخصيات المرشحين ومدى توافقهم معك.
- اختبر مهارات المرشحين قبل توظيفهم، ولكن انتبه إلى عدم إنهاكهم بالكثير من الاختبارات المُرهقة أو التي تستغرق وقتًا كبيرًا.
- تحقق من مراجع المرشحين التي أرفقوها في سيرهم الذاتية وملفاتهم؛ حتى تتأكد من امتلاكهم للمهارات التي أشاروا إليها.
وفي ذلك يقول برانهام «إن أرباب العمل العظماء مهتمون ببناء مجموعة من المواهب المتميزة ويعلمون أن كل شيء يبدأ من اختيار الشخص المناسب في المقام الأول».
4. شعور الموظف بالتهميش وعدم التقدير
تسعة من كل 10 أشخاص على استعداد لكسب أموالٍ أقل شريطة قيامهم بعملٍ ذي فائدة أكبر، وفقًا لبحثٍ نشرته مجلة هارفارد بيزنس ريفيو. وأوضح معدو البحث أن الموظفين الذين يؤمنون بأهمية عملهم ومعناه يقضون ساعة إضافية في العمل أسبوعيًا، ويأخذون إجازة مدفوعة الأجر أقل بيومين من نظرائهم.
وعلى حد تعبير الباحثين: «فيما يتعلق بالكمية الهائلة لساعات العمل، ستشهد المؤسسات تخصيص المزيد من وقت العمل من الموظفين الذين يجدون معنى أكبر لمهامهم. والأهم من ذلك، أن الموظفين الذين يجدون تجربة عملهم ذات معنى يمتلكون رضًا وظيفيًا أكبر بكثير من غيرهم، وهو ما يرتبط بزيادة الإنتاجية».
وفي هذا الصدد يخبرنا برانهام عن الطرق التي تُشعر الموظفين بعدم التقدير وتُقلل من قيمتهم، وهي على النحو الآتي:
- ضعف الأجر (مقابل ما هو متعارف عليه لعملٍ مماثل).
- عدم تكافؤ الأجر مع المجهود المبذول في الوظيفة.
- عدم الإشادة بإنجازات الموظف عندما يُؤدي عملًا جيدًا.
- معاملة الموظف بطريقةٍ غير لائقة أو جائرة.
- عدم مراعاة الاختلافات الفردية والنظر إليها بطريقةٍ سلبية.
- عدم توفير الموارد الكافية والمناسبة لتأدية العمل بصورةٍ صحيّة وصحيحة.
- إجبار الموظف على العمل في بيئة مضطربة أو قد تُؤثر على صحته البدنية وتُعرضه للمخاطر.
تعطي هذه الأمور رسائل مباشرة للموظف على أنه غير مهم ويمكن التخلص منه واستبداله في أي لحظة؛ مما يُشعره بالعجز ويدفعه لإنهاء خدمته؛ بحثًا عن فرصٍ أفضل تحترم حقوقه وتُقدر ما يقوم به.
إذًا، كيف يمكنك مواجهة هذا السبب؟
تجنب ممارسة أي سلوك يؤثر على تقدير الموظف (يشمل ذلك تجنب جميع الطرق السلبية سابقة الذكر).
- اسأل الموظفين عن الأدوات والموارد التي يحتاجونها.
- غيّر نظام إدارتك التقليديّ بنظام مؤتمت كليًا يُسرع من إدارتك ويساعد موظفيك على المتابعة الصحيحة والحصول على نتائج دقيقة.
على سبيل المثال، إذا كنت تعتمد على إدارة مواردك البشرية من خلال الأوراق وملفات إكسيل وتشعبات المنصات الإلكترونية التي تُشتت طاقة فريقك وتُضعف من دقة بياناتك وصحتها. فَكِّر في نقل شركتك إلى مساحة رحبة بالاستعانة بــ نظام جسر.
مهمة جسر هي بناء منظومة تقنية حديثة للموارد البشرية، وذلك بتوفير العديد من المزايا العملية التي تحتاجها كل الشركات على اختلاف أحجامها. أَذكر منها ما يلي:
- إنشاء ملف رقميّ لكل موظف، وبذلك ستتمكن من الوصول إلى البيانات التي تحتاجها عن كل موظف وتحديثها بكل يُسر.
- تزويدك بنظام حضور وانصراف مؤتمت كليًا ومتكامل.
- إدارة المزايا التي تُوفرها للموظفين والتي تساعدهم بها على تعزيز نموهم وضمان سلامتهم النفسية.
- تقييم أداء الموظفين ومراجعته بناءً على المعايير التي تناسبك بكل شفافية.
- إعداد مسير الرواتب في وقتٍ قياسي.
يُزودك جسر بإحصاءات دقيقة عن أداء الموظفين ومسير الرواتب وغيرها من البيانات المهمة. وستتمكن أيضًا من إدارة طلبات الموظفين ورحلات العمل بفاعلية. أضف إلى ذلك، سهولة ربط جسر بمختلف المنصات الحكومية والبرامج المحاسبية وغيرها من الأدوات التي تحتاجها في شركتك.
وفي الحقيقة، هناك مزايا أخرى أكثر مما ذكرته هنا. ولكني أُشجعك على اكتشافها بنفسك؛ لأن هذا هو وقت التحول الرقمي. وهذا هو الوقت المناسب لتعزيز قدرات فريقك والموظفين لزيادة إنتاجيتهم وتوفير وقتهم للتركيز على المهام الأكثر أهمية في شركتك.
اطلب عرضًا تجريبيًا مجانيًا من هنا وافهم نظام جسر من الداخل؛ لتنضم إلى الشركات التي ينطبق عليها ما ذكره لي برانهام: «يبدأ أصحاب العمل العظماء في جعل الناس يشعرون بأهميتهم منذ اليوم الأول… وهم يُدربون المديرين على فهم قوة الاهتمام بأصغر مساهمات الموظفين».
5. غياب ثقة الموظف في مديره المباشر أو سياسات الشركة
هناك مقولة جدلية في عالم الموارد البشرية تقول: «لا يترك الناس الشركات، بل يتركون المديرين»؛ إشارةً إلى أن عدم ثقة الموظفين في المديرين أو عدم اتفاقهم معهم على أسلوب الإدارة هو ما يدفعهم إلى تقديم الاستقالة. لاحظ هنا أن زيادة ثقة الموظفين بقرارات المديرين ينعكس إيجابًا على أداء شركتك ويُحسِّن من مخرجاتها. وهذا ما تُثبته الدراسات التي أوضحت أن الشركات التي تتسم بمستويات ثقة عالية بين الإدارة العليا وموظفيها تتفوق على الشركات التي تنخفض فيها مستويات الثقة بنسبة 186%.
إذًا، كيف يمكنك مواجهة هذا السبب؟
- عَزِز ثقافة التواصل المفتوح مع المديرين والموظفين وشجع الحوارات الصريحة الهادفة.
- شارك المعلومات اللازمة حول أداء الشركة والقرارات المُتخذة بشفافية.
- شجع المسؤولين على الاعتراف بإنجازات الموظفين وتقدير مجهوداتهم بانتظام.
- أكد على قيم العدالة والإنصاف في شركتك، وامنع أي قرارات أو سياسات تمييزية تُشعر الموظفين بعدم الأمان والعجز.
- كن واضحًا بشأن سياسات المحاسبة والعقاب في الشركة، ومن الضروري أن يثق جميع الموظفين ويرون بأنفسهم تطبيق هذه السياسات على الجميع؛ مما يُعزز ثقتهم في قيمك.
في كتابه Leaders Eat Last، يُوضِّح المؤلف سيمون سينك Simon Sinek طريقته في المحافظة على ثقة الموظفين ودعمهم بقوله:
«إن التخويف والإذلال والعزلة والشعور بالغباء والشعور بعدم الفائدة والرفض، كلها ضغوط نحاول تجنبها داخل المنظمة. لكن الخطر في الداخل يمكن السيطرة عليه. لذا، يجب أن يكون هدف القيادة هو إرساء ثقافة خالية من الخطر. وطريقة القيام بذلك هي منح الناس الشعور بالانتماء، من خلال تزويدهم بثقافة قوية مبنية على مجموعة واضحة من القيم والمعتقدات الإنسانية ومنحهم القدرة على اتخاذ القرارات وتقديم الثقة والتعاطف وإحاطتهم بدائرة ممتدة من الأمان».
خلاصة الاستقالة في نظام العمل السعودي
في نهاية هذا الدليل، دعني أُؤكد على أن الاستثمار في تنمية مهارات المديرين والموظفين وتزويدهم بالأدوات المناسبة يمكن أن يخلق ثقافة عمل إيجابية تنعكس على ولاء الموظفين وتُقلل من ميلهم إلى تقديم الاستقالة.
لكن تذكر أن محاولاتك لفهم ضوابط الاستقالة وأسبابها ما هي إلا عوامل مساعدة قد ينتج عنها فعلًا تقليل السلوكيات المُضرة في بيئة العمل وزيادة معدل الاحتفاظ بالعملاء. ومع ذلك، فقد يستمر بعض الموظفين في ترك منصابهم لأسبابٍ شخصية، قد تتعلق ببحثهم عن وظيفة أكثر هدوءًا أو قربًا من مناطق سكنهم، أو قد ترتبط برغبتهم في تغيير مسارهم الوظيفي كليًا.
لذلك، كن هادئًا في اتخاذ قراراتك ومستعدًا لتعيين موظفين جُدد أكفّاء باتباع إستراتيجيات توظيفية مُنفتحة وذكية. أخيرًا، تذكر أنه من الجائز إجراء مقابلة شخصية مع الموظفين الذين يرغبون في إنهاء خدمتهم، وذلك بهدف تطوير بيئة العمل وتعزيز نموها، كما نصت المادة 218 من اللائحة التنفيذية للموارد البشرية من نظام الخدمة المدنية.
أحمد عبد الوهاب
كاتب وباحث بخبرة تزيد عن 7 سنوات، يساهم مع جسر في كتابة موضوعات مفيدة يسعى من خلالها إلى ربط مسؤولي الموارد البشرية بنصائح عملية تساعدهم على تحقيق أقصى استفادة من مواردهم. تتركز أبحاثه في التخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية وإدارة المواهب والأداء والتدريب الوظيفي، وغيرها من المجالات المرتبطة التي تمكّن صناع القرار من الوصول إلى أهدافهم واتباع إستراتيجيات أذكى وأكثر تميزًا. بجانب اهتمامه بالكتابة والبحث فهو حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة.
اقرأ أيضًا على مدونة جسر
اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية
ابدأ الآن مع جسر
اطلب العرض التوضيحي الخاص بك