يعد تسريح الموظفين أحد أصعب القرارات التي قد تواجهها أي شركة، إذ يتطلب توازناً دقيقاً بين الحسم والرحمة لضمان الحفاظ على سمعة المنشأة ومعنويات الفريق، ونقدم في هذه المقالة دليلاً شاملاً حول كيفية التعامل مع تسريحات الموظفين بأسلوب احترافي وإنساني، بما يشمل التخطيط المسبق والتواصل الفعّال وتقديم الدعم للموظفين المسرّحين والتعامل مع ردود الفعل داخل الشركة، بهدف مساعدة القادة والمديرين على تنفيذ عمليات التسريح بطريقة عادلة ومسؤولة تقلل من التأثيرات السلبية وتعزز الثقة داخل المؤسسة.
نتناول في السطور التالية:
- ماذا يعني تسريح الموظفين؟
- ما هي أبرز أسباب تسريح الموظفين؟
- أفضل الممارسات للتعامل مع تسريح العمال بأسلوب احترافي وإنساني
ماذا يعني تسريح الموظفين؟
تسريح الموظفين (Layoff) هو إجراء إداري تتخذه الشركات لإنهاء خدمات مجموعة من العاملين بصورة جماعية، سواء كان ذلك مؤقتاً أو دائماً بسبب عوامل اقتصادية أو تنظيمية خارجة عن إرادة صاحب العمل، مثل انخفاض الطلب على المنتجات أو إعادة الهيكلة أو تبني تقنيات جديدة تقلل الحاجة إلى العمالة البشرية، ويهدف هذا الإجراء إلى تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين كفاءة المنشأة، لكنه لا يرتبط عادةً بأداء الموظفين أو بسلوكهم الوظيفي، على عكس الفصل الذي يكون نتيجة لمخالفة الموظف أو عدم كفاءته.
ووفق القرار الوزاري السعودي رقم 50945 يمكن تعريف تسريح الموظفين بأنه إنهاء خدمات مجموعة من العاملين السعوديين بنسبة تزيد على 1% من العاملين لدى المنشأة أو ما مجموعه 10 عاملين، أيهما أكثر، خلال سنة من تاريخ آخر عملية فصل.
ويخلط البعض بين التسريح والفصل والطرد، لكن لكل منها ظروفه وأسبابه الخاصة:
- التسريح: يحدث بصورة جماعية لأسباب اقتصادية أو تنظيمية تتعلق بالشركة، ولا يكون غالباً بسبب تقصير الموظفين، ويشمل تعويضات وإشعارات قانونية.
- الفصل: يتم بسبب تقصير الموظف أو ارتكابه مخالفة جسيمة، كما ينص عليه قانون العمل، وقد يكون قانونياً إذا وُجدت أسباب مشروعة، أو تعسفياً إذا تم دون مبرر مقبول.
- الطرد: هو إجراء فوري فردي يُتخذ عند ارتكاب الموظف مخالفة جسيمة تستوجب إيقافه عن العمل فوراً، وقد يكون قانونياً أو غير قانوني وفقاً للظروف.
ما هي أبرز أسباب تسريح الموظفين؟
تلجأ الشركات إلى تسريح الموظفين نتيجة لمجموعة من العوامل التي تؤثر على استقرارها المالي أو إستراتيجياتها التشغيلية، ويعد هذا القرار من أصعب القرارات الإدارية لما له من آثار على بيئة العمل ومعنويات الموظفين، ومن أبرز الأسباب التي قد تدفع الشركات لاتخاذ هذا الإجراء:
1. الأزمات الاقتصادية
تواجه العديد من الشركات تحديات مالية تؤدي إلى الحاجة لخفض التكاليف التشغيلية، مثل:
- تراجع الأرباح وزيادة الديون: عندما تعاني الشركات من انخفاض الإيرادات أو تواجه صعوبات مالية يصبح تقليل النفقات أمراً ضرورياً للحفاظ على استمرارية الأعمال، وغالباً ما يكون تسريح عدد من الموظفين أحد الحلول المطروحة.
- التقلبات الاقتصادية العالمية: تؤثر التغيرات في السوق، مثل الأزمات المالية أو الركود الاقتصادي، على قدرة الشركات على التوظيف والاستمرار في دفع الرواتب، ما يدفعها إلى تسريح جزء من العاملين لديها لتخفيف الأعباء المالية.
2. إعادة الهيكلة والتغيرات التنظيمية
تلجأ الشركات إلى إعادة هيكلة عملياتها الداخلية لزيادة الكفاءة، ما قد يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف، ومن أبرز أسباب ذلك:
- دمج الأقسام وتقليل التكرار الوظيفي: عند إعادة هيكلة النظام الداخلي، يتم دمج بعض الأقسام أو الاستغناء عن عدد من الوظائف وبالتالي تسريح عدد من الموظفين.
- الاندماج والاستحواذ: عند اندماج شركتين أو استحواذ إحداهما على الأخرى، يحدث تداخل في الوظائف، ما يدفع الشركات إلى تسريح الموظفين لتجنب ازدواجية الأدوار وتقليل التكاليف.
- تغيير التوجهات الإستراتيجية: عندما تغير الشركة إستراتيجياتها أو تدخل أسواقاً جديد يصبح بالإمكان الاستغناء عن الموظفين الذين لم تعد مهامهم تتماشى مع الأهداف الجديدة.
3. التقدم التكنولوجي والأتمتة
مع التطور السريع في التقنيات الحديثة، أصبحت الشركات تعتمد بصورة متزايدة على الأتمتة والذكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام، ما يؤثر على الحاجة إلى بعض الوظائف التقليدية ويزيد من عمليات تسريح الموظفين بسبب:
- استخدام الأنظمة التكنولوجية المتقدمة الذي يساهم في زيادة الكفاءة وتقليل التكلفة التشغيلية ويؤدي إلى الاستغناء عن بعض الوظائف التي كانت تعتمد على العمليات اليدوية.
- التوجه نحو التحول الرقمي وازدياد الطلب على مهارات معينة أكثر أهمية، فإذا لم يكن لدى الموظفين الحاليين المهارات المطلوبة، فقد يتم استبدالهم بموظفين أكثر تأهيلاً.
4. انتقال الشركات
قد يؤدي تغيير موقع الشركة أو نقل عملياتها إلى التأثير على موظفيها، فإذا قررت الشركة نقل مقرها إلى مدينة أو دولة أخرى لأسباب تتعلق بتكاليف التشغيل، قد لا يتمكن بعض الموظفين من الانتقال ما يؤدي إلى إنهاء عقودهم. كما يمكن أن تلجأ بعض الشركات إلى نقل جزء من عملياتها إلى مناطق توفر تكاليف تشغيلية أقل ما قد يؤدي إلى تقليل عدد الوظائف في المقر الأصلي.
أفضل الممارسات للتعامل مع تسريح العمال بأسلوب احترافي وإنساني
برغم أن تسريح الموظفين إجراء صعب لكنه أحياناً ضروري لضمان استمرارية الشركات، ومع ذلك، فإن تطبيقه بطريقة عادلة وإنسانية يقلل من آثاره السلبية على الموظفين وسوق العمل، ومن أبرز الممارسات التي ينبغي على المديرين ومسؤولي الموارد البشرية اتباعها لتحقيق ذلك:
1. التخطيط المسبق ووضع إستراتيجية واضحة
التسريح ليس مجرد قرار مالي، بل هو قرار إنساني له تأثير عميق على حياة الناس، لذا يجب أن تبدأ أي عملية تسريح ناجحة بتخطيط دقيق يهدف إلى تقليل الأضرار وتقييم التأثير المالي والاجتماعي والقانوني على جميع الأطراف، إذ يخلق التسريح غير المخطط له تداعيات سلبية للمنشأة مثل انخفاض الروح المعنوية والإنتاجية بين الموظفين الباقين، إضافة لحالة من عدم اليقين تؤدي إلى تآكل ثقة الموظفين في إدارة المنشأة.
وتبرز فوائد التخطيط المسبق لتسريح الموظفين في:
- تقليل المفاجآت السلبية التي قد تنشأ أثناء عملية التسريح.
- تنفيذ عملية تسريح الموظفين بسلاسة وكفاءة.
- الحفاظ على سمعة الشركة ومسؤوليتها الاجتماعية.
- دعم الموظفين المتأثرين من عملية التسريح أو الموظفين المتبقين في العمل.
- تقليل خطر الدعاوى القضائية والتكاليف القانونية.
- ضمان استمرار العمليات التشغيلية والإنتاجية بما يحقق الأهداف المرحلية.
ولتحقيق تخطيط فعال لا بدّ من وضع إستراتيجيات واضحة تتضمن:
تحديد الأسباب
أحد أهم جوانب التخطيط هو تحديد الأسباب التي تستدعي التسريح، هل هي بسبب أزمة مالية؟ أم أن هناك تغييرات في هيكلة الشركة ونظامها الداخلي؟ لذا لا بدّ أن تكون أسباب تسريح الموظفين واضحة ومبنية على بيانات مالية وتشغيلية موثوقة ودقيقة لضمان الشفافية.
استكشاف البدائل قبل اللجوء للتسريح
قبل اتخاذ قرار تسريح الموظفين، ينبغي على الشركة دراسة وتقييم البدائل المتاحة التي قد تُخفف من الضغط المالي على المنشأة مع الحفاظ على الكفاءات داخلها إلى أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية. فيمكن على سبيل المثال اللجوء إلى:
- تقليل عدد ساعات العمل أو تحويل بعض الوظائف إلى نظام العمل الجزئي: إذ يسمح هذا النهج بتقليل التكاليف مع الاحتفاظ بالموظفين الموهوبين، ويسهّل استعادة الإنتاجية عند تحسن الظروف.
- تقاسم الوظائف أو إعادة توزيع المهام: إذ يتقاسم موظفان المهام التي يؤديها موظف واحد بدوام كامل على أن يتقاسمها الراتب بدلاً من تسريح أحدهما بصورة دائمة، أو أن يتحمل موظف مهاماً إضافية بنفس الدخل.
- تخفيضات الرواتب: على أن تُراعى العدالة في كافة الوظائف عند التخفيض، فبرغم أن أن خفض الرواتب يسبب ضرراً لكنه يحقق استقرار الراتب الدائم للموظفين.
- تجميد التوظيف والترقيات: لتوفير التكاليف دون التأثير على الموظفين الحاليين.
- تقديم إجازات غير مدفوعة الأجر: يمكن اقتراح إجازات غير مدفوعة الأجر لفترات محددة، ما يحافظ على استمرارية الخبرة داخل الشركة عند عودة الموظفين بعد الإجازات.
- تقليل الامتيازات والمزايا غير الأساسية: فبدلاً من التضحية برواتب الموظفين يمكن خفض التكاليف غير الأساسية مثل الرحلات الترفيهية والوجبات المدعومة أو بعض المكافآت غير الأساسية.
وضع معايير عادلة وموضوعية لاختيار الموظفين المشمولين بالتسريح
يُسهم وضوح وموضوعية المعايير المعتمدة لتسريح الموظفين في تقليل التوترات وتعزيز دقة القرارات المتخذة، كما تساعد المعايير العادلة على تجنّب التحيز وضمان المساواة، إضافة لأثرها على مصداقية المنشأة والروح المعنوية للموظفين الباقين.
ومن بين أبرز هذه المعايير:
- الأداء الوظيفي: يُمكن استخدام تقييمات الأداء الدورية عند إجراء أي عملية تسريح موظفين لتحديد من يستحق البقاء، إذ تعكس هذه التقييمات مدى تحقيق الأهداف الموكلة للموظف.
- المهارات والكفاءات: يتم التركيز على الموظفين الذين يمتلكون المهارات الضرورية لدعم الأهداف المستقبلية للمنشأة.
- الأقدمية: في بعض الحالات، يمكن أن تكون الأقدمية عاملاً مؤثراً في الاختيار، مع مراعاة الحفاظ على التوازن بين الخبرة والتجديد.
- متطلبات الهيكل التنظيمي: قد تفرض التغييرات في الهيكل التنظيمي إعادة توزيع الأدوار بما يتناسب مع الأهداف الإستراتيجية للمنشأة أو ضرورة إبقاء أو تسريح فئات محددة من الموظفين.
إشراك القادة والموارد البشرية في عملية التخطيط للتسريح
لضمان تنفيذ عملية تسريح الموظفين بسلاسة لا بدّ من التنسيق بين القيادة العليا وفريق الموارد البشرية، فيجب على القادة تحديد الأهداف الإستراتيجية لعملية التسريح والتأكد من توافقها مع رؤية المنشأة، ومن ناحية أخرى يتولى فريق الموارد البشرية مسؤولية تنفيذ هذه الأهداف من خلال وضع خطط تفصيلية تشمل تحديد الموظفين المعنيين والتواصل معهم بشفافية وتقديم الدعم اللازم لهم. ويضمن هذا التعاون تحقيق التوازن بين احتياجات المنشأة وحقوق الموظفين، ويعزز من الثقة والشفافية.
الاستعداد للتحديات
تواجه المنشآت العديد من التحديات عند تنفيذ قرارات تسريح الموظفين، مثل الدعاوى القضائية المحتملة والتأثير السلبي على معنويات الموظفين المتبقين وردود الفعل السلبية من العملاء والجمهور، لذا لا بدّ للتعامل مع هذه التحديات بدءاً من تحديدها ومناقشتها وإجراء تقييم دقيق للمخاطر المحتملة إلى وضع الخطط المناسبة للتخفيف من تأثيرها وتعويض الفاقد في الإنتاجية، فالاستعداد المسبق والتخطيط الجيد يمكن أن يقلل من التداعيات السلبية لعملية التسريح ويحافظ على استقرار المنشأة وسمعتها.
2. التأكد من الامتثال القانوني
تتطلب عملية تسريح الموظفين التزاماً صارماً بالأنظمة واللوائح لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق جميع الأطراف، ويضع نظام العمل السعودي واللوائح الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إطاراً قانونياً واضحاً يهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق الموظفين ومتطلبات أصحاب العمل، ويمنع أي تجاوزات قد تؤدي إلى نزاعات قانونية أو تأثيرات سلبية، ومن أبرز النقاط التي تتطلبها الأنظمة السعودية عند إجراء تسريح موظفين:
الإشعار المسبق والتخطيط العادل
من المبادئ الأساسية التي ينص عليها النظام ضرورة إشعار الموظف مسبقاً بقرار إنهاء خدمته وفقاً لنوع العقد وظروف التسريح. قانوناً تنص المادة 75 من نظام العمل السعودي على أن الموظفين ذوي العقود غير محددة المدة يجب أن يحصلوا على إشعار خطي قبل 60 يوماً في حال كان أجرهم شهرياً، أو 30 يوماً إن كان الأجر غير شهري أو كان العقد محدد المدة، ويمنح هذا الإشعار الموظف فرصة للبحث عن بدائل وظيفية أو إعادة ترتيب أموره المالية والمهنية.
تقديم أسباب واضحة وعادلة للتسريح
يشترط القانون السعودي أن تكون أسباب التسريح موضوعية ومبررة، مثل إعادة الهيكلة أو تراجع الأداء أو الأوضاع الاقتصادية، على أن يتم توثيق هذه الأسباب وإبلاغ الموظف بها رسمياً، كما يُحظر الفصل التعسفي أو اتخاذ قرارات تسريح تعتمد التمييز ضد الموظفين بناءً على الجنس أو الجنسية أو أي معايير أخرى غير مهنية.
حقوق الموظف المالية والتعويضات
عند إنهاء خدمة الموظف، يتعين على صاحب العمل صرف جميع المستحقات المالية والتعويضات، بما في ذلك:
- رواتب الفترة المتبقية وأي مستحقات مالية غير مدفوعة.
- مكافأة نهاية الخدمة وفقًا للمادة 84، والتي تُحدد بناءً على مدة العمل.
- بدل الإجازات السنوية غير المستخدمة، إن وجدت.
- تعويض عن مدة الإشعار، في حال عدم التزام الشركة بتقديم الإشعار المسبق المطلوب.
إبلاغ الجهات التنظيمية والإدارية
يُلزم القانون أصحاب العمل بإبلاغ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مسبقاً، خصوصاً في المنشآت الكبيرة والمتوسطة في حالات التسريح الجماعي، ولضمان توافق القرار مع الضوابط القانونية فقد حظر القرار الوزاري رقم 50945 على المنشآت العملاقة والكبيرة والمتوسطة في غير حالة إشهار الإفلاس أو إغلاق المنشأة النهائي فصل العاملين السعوديين بصورة جماعية لأي سبب كان دون إخطار مسبق لمكتب العمل المختص. كما يمنح النظام الموظفين حق الاعتراض على قرار التسريح عبر الجهات المختصة، ما يعزز الشفافية ويمنع الانتهاكات المحتملة.
ويُنصح بتوثيق جميع الخطوات والإجراءات المتبعة في عملية التسريح، بما في ذلك أسباب القرار والإشعارات المقدمة وحساب المستحقات لإظهار التزام الشركة بالشفافية والعدالة وحمايتها في حال نشوء نزاعات مستقبلية. ويُفضل استشارة خبراء قانونيين وإداريين مختصين في قانون العمل السعودي والقضايا العمالية والموارد البشرية لفهم التفاصيل الدقيقة للقوانين والتأكد من عدم وجود تمييز في المعايير أو الاختيار.
3. التواصل الفعّال خلال عمليات تسريح الموظفين
يعد التواصل الفعّال أثناء تسريح الموظفين عاملاً حاسماً في الحفاظ على احترافية المنشأة وتعزيز ثقة الموظفين المتأثرين والباقين على حد سواء، فمن خلال الوضوح والشفافية والتعاطف يمكن تقليل الآثار السلبية لهذه العملية، ما يسهم في حماية سمعة المؤسسة وضمان استمرارية بيئة عمل مستقرة، ومن أبرز ما يمكن اتخاذه من إجراءات لضمان التواصل الصحيح:
التخطيط المسبق للاتصالات الداخلية والخارجية
من الضروري وضع خطة اتصال واضحة تشمل كيفية إبلاغ الموظفين المتأثرين وتوضيح القرار للباقين مع تحديد التأثيرات على الإدارات المختلفة، إضافة لذلك يمكن تعيين مسؤولين لصياغة البيانات الصحفية بهدف ضمان اتساق المعلومات المتداولة وإعداد بيانات رسمية لوسائل الإعلام وأصحاب المصلحة الخارجيين تتضمن الأسباب الجوهرية للتغيير وتأثير القرار على المنشأة والآليات المتاحة لدعم الموظفين المسرحين، مع تجنب نشر تفاصيل غير ضرورية قد تؤثر على سمعة المنشأة.
الشفافية والتواصل الواضح
يعد التواصل الواضح والمباشر ضرورياً في أي عملية تسريح موظفين ناجحة، إذ ينبغي على الإدارة تقديم أسباب منطقية وشفافة وراء القرار مع تجنب الغموض أو التضليل، ما يساعد في بناء الثقة ويقلل من شعور الموظفين بالظلم، لذا يجب إيصال القرار وفق تسلسل واضح بالبدء أولاً بإبلاغ المتأثرين فقط بصورة شخصية من خلال اجتماعات فردية أو مكالمات فيديو، وتجنب إرسال إشعارات عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، كما يجب تقديم تفاصيل دقيقة حول أسباب التسريح والجدول الزمني للمغادرة والحقوق والمستحقات.
ثم يمكن عقد اجتماع عام مع باقي الموظفين لتوضيح أسباب القرار وتأثيراته وخطة العمل المستقبلية، مع التأكيد على دعم الإدارة للموظفين المسرحين من خلال تقديم استشارات مهنية وفرص إعادة التوظيف دون تسميتهم أمام الآخرين.
ولإدارة المشاعر والتعاطف عند الإبلاغ بقرارات تسريح الموظفين لا بدّ أن تكون الإدارة صريحة وحازمة، مع تجنب العبارات المبتذلة التي قد تزيد من إحباط المسرحين، ويُفضل أن يكون المدير مدعوماً بأحد ممثلي الموارد البشرية أثناء الاجتماعات لضمان التعامل باحترافية مع ردود الأفعال المختلفة مثل الغضب أو الحزن، مع إظهار التعاطف دون التراجع عن القرار.
الحفاظ على السرية وتقديم خطة تحسين الأداء
يجب أن تلتزم إدارة الموارد البشرية بالسرية التامة خلال عمليات التسريح، وقصر الإبلاغ على الأطراف المعنية فقط لتجنب انتشار الشائعات وإثارة القلق بين الموظفين، كما يجب الحفاظ على سرية بيانات الموظفين المسرّحين وعدم مشاركتها إلا عند الضرورة القصوى.
وفي حال كان التسريح مرتبطاً بالأداء، فمن الأفضل أن تسبق القرار خطة تحسين أداء رسمية تمتد بين 30 إلى 90 يوماً لمنح الموظف فرصة لتطوير أدائه قبل اتخاذ القرار النهائي. ومن الممكن منح الموظفين المسرحين خيار تقديم استقالتهم بدلاً من إنهاء خدمتهم قسرياً، ما يمنحهم شعوراً بالسيطرة ويحفظ كرامتهم.
التواصل مع الموظفين الباقين
بعد إبلاغ الموظفين المتأثرين، يجب التواصل الفوري مع الموظفين المتبقين لطمأنتهم وتوضيح مدى تأثير القرار عليهم، إذ يساعد ذلك في الحفاظ على معنوياتهم وتعزيز ولائهم للمنشأة، ويقلل من تداعيات القرار على بيئة العمل.
4. تقديم الدعم للموظفين المتأثرين
يعدّ تسريح الموظفين من أكثر القرارات حساسية التي يمكن أن تتخذها أي منشأة، لذا لا يجب أن يقتصر التسريح على إنهاء العلاقة التعاقدية، بل لا بدّ أن يمتد ليشمل توفير الدعم المالي والمهني والنفسي للموظفين المتأثرين بما يساعدهم على مواجهة المرحلة الانتقالية بثقة وأمان، ويمكن للمديرين ومسؤولي الموارد البشرية العمل على:
تقديم التعويضات العادلة ودعم الاستقرار المالي
يجب أن تتضمن حزم التعويضات مكافأة نهاية الخدمة التي تعكس تقدير المنشأة لموظفيها وتساعدهم على تخطي المرحلة الانتقالية، كما تشمل الحزمة أي مستحقات مالية متراكمة مثل الإجازات غير المستخدمة أو النفقات غير المستردة، ما يضمن خروج الموظف بطريقة عادلة تحافظ على استقراره المالي.
ويمكن على سبيل التعويض أيضاً واحتراماً للموظفين المسرحين وضع امتيازات مؤقتة خاصة بهم إلى جانب التعويضات المالية، مثل توفير تغطية تأمينية انتقالية تتيح الاستمرار في الاستفادة من التأمين الصحي الخاص بالمنشأة على نفقتهم الخاصة أو بتمديد مؤقت يغطي التأمين الصحي والتأمين على الحياة والعجز لفترة محددة، ما يساعد في توفير الحماية المالية والصحية خلال الفترة الانتقالية.
توفير الدعم المهني ومساعدة الموظفين في إيجاد فرص جديدة
يمثل دعم الموظفين في البحث عن وظائف جديدة جزءاً مهماً من عملية تسريح الموظفين، فيمكن للمؤسسات تقديم خدمات إعادة التوظيف التي تشمل المساعدة في كتابة السير الذاتية والتدريب على المقابلات الوظيفية والتوجيه المهني، إضافة إلى ربط الموظفين المسرحين بشبكات التوظيف أو وكالات التوظيف الخارجية مع تقديم رسائل توصية وشهادات خبرة لضمان انتقالهم بسرعة إلى وظائف أخرى، كما أن تقديم المشورة حول فرص العمل المتاحة سواء التقليدية أو العمل الحر أو ساعات العمل المرن، ما يساعد في توسيع خياراتهم المهنية.
الدعم النفسي والعاطفي خلال المرحلة الانتقالية
يمكن أن يكون فقدان الوظيفة تجربة صعبة على المستوى العاطفي، لذا من الضروري توفير برامج دعم نفسي مثل برامج الاستشارات النفسية والاجتماعية للموظفين المتأثرين لمساعدتهم على التعامل مع القلق والتوتر المصاحب لهذه المرحلة، كما أن إتاحة الوقت لمناقشة المخاوف والإجابة عن الأسئلة، يسهم في جعل عملية التسريح أكثر إنسانية ويقلل من التأثير السلبي على معنويات الموظفين.
5. إدارة تأثير قرارات التسريح وضمان استقرار بيئة العمل
لا يقتصر أثر قرار التسريح على الموظفين المغادرين، بل يؤثر على المنشأة بأكملها بما فيها العاملين المتبقين الذين قد يواجهون مشاعر القلق وعدم الاستقرار، لذلك من الضروري أن تتبنى الشركات نهجاً مدروساً لتقييم تأثير هذه القرارات واتخاذ التدابير اللازمة للحد من تداعياتها السلبية، ومنها:
تقييم تأثير قرار التسريح
قد يشعر الموظفون الذين لم يشملهم التسريح بمشاعر الذنب أو القلق بشأن مستقبلهم الوظيفي، وهو ما يعرف بمتلازمة الناجين، ولمواجهة هذه الحالة ينبغي توفير برامج دعم نفسي وتعزيز قنوات التواصل الداخلي وإشراك الموظفين في رؤية واضحة لمستقبل الشركة. كما يجب العمل على تحفيز الفرق من خلال تقدير جهودهم وإعادة توزيع عبء العمل بطريقة متوازنة مع تقديم فرصً للتطوير المهني، منعاً لانخفاض الروح المعنوية وتراجع الإنتاجية وزيادة معدل الدوران.
دعم الموظفين المتبقين بعد التسريح
للحفاظ على استقرار بيئة العمل، يجب تقديم الدعم الكافي للموظفين الذين بقوا في الشركة من خلال عدة إجراءات، منها:
- عقد اجتماعات داخلية لشرح أسباب التسريح والإجابة على تساؤلات الموظفين بوضوح، ما يعزز الثقة ويحد من القلق بشأن مستقبلهم الوظيفي.
- الحرص على عدم تحميل الموظفين المتبقين مهام إضافية تفوق قدرتهم، بل إعادة تقييم الأولويات وتوزيع المسؤوليات بصورة مدروسة.
- الاعتراف بجهود الفريق وتشجيع العمل الجماعي، إلى جانب تقديم مبادرات لتعزيز بيئة العمل الإيجابية.
إعادة بناء الثقة وتعزيز ثقافة الشركة
بعد قرارات التسريح، يصبح من الضروري إعادة بناء الثقة داخل المنشأة لضمان استمرار النمو والاستقرار. ويتحقق ذلك عبر:
- طمأنة الموظفين بأن المنشأة تعمل على تعزيز استدامتها وتوفير بيئة عمل آمنة ومستقرة.
- مراجعة القيم المؤسسية والتأكد من أنها تعكس التزام الشركة برفاهية موظفيها، مع معالجة أي تحديات سابقة قد تكون أثرت على استقرار الفريق.
- مشاركة الموظفين برؤية الشركة وخططها القادمة، ما يساعدهم على الشعور بالانتماء والالتزام بأهدافها.
تدريب المديرين
يلعب المديرون دوراً حاسماً في تنفيذ قرارات التسريح والتواصل مع الموظفين بطريقة مهنية وإنسانية، فهم في الخطوط الأمامية لمواجهة ردود الفعل العاطفية وتقديم الدعم الفوري. لذا من الضروري تزويدهم بالتدريب المناسب والمهارات اللازمة لإبلاغ الموظفين المتأثرين بقرارات التسريح بوضوح واحترام، وتدريبهم على كيفية إدارة المواقف العاطفية بحساسية، مع تقديم الدعم النفسي والتوجيه للموظفين المسرحين.
كما يجب على المديرين معالجة مخاوف الفريق المتبقي من خلال تقديم توضيحات حول مستقبل الشركة، وطمأنتهم بشأن استقرار وظائفهم، وتعزيز بيئة العمل الإيجابية، إضافة لتزويدهم بالمعرفة الإدارية اللازمة لتنفيذ التغييرات في بيئة العمل بعد التسريح، بما في ذلك إعادة توزيع المهام وإعادة ضبط إستراتيجيات الفريق لضمان استمرارية الأداء.
6. استخلاص الدروس والتحسين المستمر بعد التسريح
قرارات التسريح ليس فقط إجراءت إدارية، وإنما يجب على المنشآت اتخاذها فرصة لاستخلاص الدروس وتحسين إستراتيجيات الموارد البشرية وتخطيط القوى العاملة لتجنب تكرارها في المستقبل، لذا يمكن للشركات اتباع الخطوات التالية:
إنشاء فريق مستقل لتقييم الإجراءات
لتجنب الوقوع في نفس الأخطاء مستقبلاً، من المفيد تشكيل فريق مستقل مكلف بتحليل عملية التسريح من جميع جوانبها، بحيث:
- يجمع الملاحظات من جميع الأطراف المعنية بما في ذلك الموظفين المسرحين والمتبقين والمديرين وفرق الموارد البشرية، سواء عبر استبيانات مجهولة المصدر أو لقاءات مباشرة أو مقابلات خروج لضمان الحصول على تقييمات موضوعية.
- يراجع جميع القرارات المتخذة خلال العملية، بما في ذلك آليات اتخاذ القرار وأثرها على الأداء العام للشركة.
- يحدد الدروس المستفادة والوسائل التي أثبتت فعاليتها، وكذلك السياسات التي كان من الممكن تنفيذها بصورة أفضل.
- يقترح تحسينات على سياسات إدارة الأزمات والتخطيط الإستراتيجي للقوى العاملة، لمنع تكرار مثل هذه القرارات مستقبلاً.
تحسين إستراتيجيات القوى العاملة لتقليل الحاجة إلى التسريح
بدلاً من الاعتماد على التسريح حلاً متكرراً، يجب على الشركات البحث عن بدائل أكثر استدامة من خلال:
- التخطيط طويل الأمد للقوى العاملة مثل توظيف المواهب وتحسين عمليات التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية وتخطيط القوى العاملة وتقليل التوظيف الزائد الذي قد يؤدي لاحقاً إلى الحاجة للتسريح.
- تنويع إستراتيجيات خفض التكاليف مثل تقليل نفقات التشغيل وتقديم إجازات غير مدفوعة أو تخفيض عدد ساعات العمل مؤقتاً للحفاظ على الوظائف.
- تطوير مهارات الموظفين وإعادة تأهيلهم بما يتناسب مع احتياجات المنشأة المستقبلية، ما يسمح لهم بالانتقال إلى أدوار جديدة في الهيكل التنظيمي بدلاً من فقدان وظائفهم.
ختاماً يمثل تسريح الموظفين تحدياً إدارياً يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً مسؤولاً لضمان تقليل الآثار السلبية على الأفراد والشركة وتحقيق التعامل العادل والإنساني، ولتحقيق ذلك لا بدّ من اتباع ممارسات واضحة وشفافة مع التركيز على التواصل الصادق والدعم المستمر للعاملين المتأثرين، بالإضافة إلى وضع إستراتيجيات لتخفيف الحاجة إلى التسريح مستقبلاً، وتعزيز بيئة عمل أكثر استقراراً.
.png)
أيهم يوسف جزان
محامي وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، متخصص في الإدارة والموارد البشرية والقوانين العمالية. كاتب محتوى بخبرة تمتد لسنوات، أساهم مع جسر في تقديم موضوعات متخصصة تهدف إلى تعزيز كفاءة الموارد البشرية وتمكين المؤسسات من تحقيق أهدافها الإستراتيجية بفعالية.
اقرأ أيضًا على مدونة جسر

اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية
ابدأ الآن مع جسر
اطلب العرض التوضيحي الخاص بك