تسجيل الدخول اطلب عرض تجريبي الآن
AR
اطلب عرضك الخاص الآن
AR

أول 90 يومًا في العمل: نصائح عبد المجيد العنزي للتميز الوظيفي

لم تعد فترة التجربة مجرد وقت لاختبار الموظف فحسب، بل أصبحت معياراً أوليّاً للحكم على مدى ملاءمته للوظيفة من حيث المهارات والسلوكيات والتفاعل مع الفريق، في حين كثير من الموظفين الجدد يتعاملون مع أول 90 يوم في العمل على أنها مجرد فرصة لإثبات الكفاءة الفنية، بينما يغفلون عن الجانب الأهم: بناء العلاقات، وفهم الثقافة المؤسسية، والتأقلم الذكي مع المحيط.

في هذا السياق، نظّمنا في جسر مساحة نقاش صوتية مع خبير إدارة الموارد البشرية أ. عبد المجيد العنزي لتضع خارطة طريق شاملة لأي موظف جديد، خصوصاً في مجال الموارد البشرية، وكيف يبدأ، وكيف يتصرف، وكيف يبني مستقبله المهني بثقة.

جدول المحتويات:

5 نصائح أساسية لأول 90 يوم عمل في الموارد البشرية

1. الاندفاع… الخطأ  الذي يجب تجنبه

يندفع كثير من الموظفين الجدد في الأيام الأولى بدافع الحماسة لإثبات الذات، معتقدين أن سرعة الإنجاز والمبادرة المبكرة هي الطريق الأقصر نحو النجاح. غير أن الواقع المهني يثبت عكس ذلك في كثير من الأحيان، فقد تتحول النوايا الحسنة إلى نتائج عكسية، إذا لم يُحسِن الموظف قراءة السياق أو فهم التوازنات الداخلية.

بحسب حديث الخبير عبد المجيد العنزي، فإن الاندفاع يمثل أكبر خطأ قد يقع فيه أي موظف جديد. لا يرتبط هذا الاندفاع فقط بالتصرفات، بل يمتد إلى اتخاذ قرارات مبكرة، وإطلاق أحكام مسبقة على الزملاء، أو حتى الاندماج بشكل مبالغ فيه قبل فهم الثقافة التنظيمية للمؤسسة. يقول: «يجب ألا يكون الموظف مندفعًا في البداية. يجب أن يكون مستمعًا، وقابلاً للتلقي والتعلم، وفهم الطرف الآخر حتى يبني علاقة جيدة معه مستقبلاً».

فالتفاعل المبكر –إن لم يكن محسوبًا– قد يُفهم من قبل الآخرين على أنه نوع من «الاستعراض» أو تجاوز للحدود. الموظف الذكي هو من يبدأ مسيرته المهنية بتأنٍ ووعي، لا من يركض في جميع الاتجاهات من دون بوصلة.

ويضيف العنزي: «أكبر غلط ممكن يرتكبه الشخص أن يندفع في البداية، لفظيًا أو لغويًا بالكلام، والتصرفات، والقرارات… لأن احتمالية الندم عليها كبيرة».

إن هذا التوجيه لا يُفهم فقط كتحذير، بل دعوة للتفكير. فالموظف الذي يمضي أول أيامه مراقبًا، ومتأملًا، وملاحظًا لما يدور حوله، سيكون قادرًا لاحقًا على التفاعل بكفاءة، لأنه بنى فهمًا حقيقيًا للبنية التنظيمية والعلاقات الداخلية.

في هذا السياق، يمكن تقسيم السلوك المهني الذكي في الأيام الأولى إلى ثلاث مراحل متكاملة:

  • الاستماع النشط: لا يقتصر الأمر على سماع الكلمات، بل فهم الرسائل غير المعلنة خلفها، والانتباه لطريقة سير العمل، وتوزيع الأدوار.
  • الفهم العميق: من خلال طرح الأسئلة الذكية، والاستفسار بتواضع، وجمع أكبر قدر من المعلومات دون إظهار حكم أو افتراض.
  • التفاعل المتزن: وهو التدخل التدريجي المدروس في المهام، والتعليق عند الضرورة، والمشاركة حين يُطلب ذلك، لا حين نرغب نحن فقط.

ويضيف العنزي: «إن ما يُحسب للموظف الجديد في الأيام الأولى ليس قدرته على توجيه الآخرين، بل قدرته على التعلم والتأقلم، وعلى الصمت حين يكون الكلام مضرًا، وعلى الصبر حين تقتضي الحكمة ذلك».

ومن الأمثلة العملية التي تُستشهد في هذا السياق، موظفون جدد يتدخلون بسرعة في عمليات كانت جارية منذ سنوات، فيثيرون القلق بين الزملاء، أو يُشعرونهم بأنهم «خارج السياق»، بينما الأفضل أن يطلبوا من أحد الزملاء شرح الخطوات، ويُظهروا استعدادًا لفهم الأمور كما هي قبل اقتراح أي تغيير.

الانضباط في البدايات لا يعني الانطواء أو السلبية، بل يعني الذكاء في اختيار الوقت والمكان المناسبين للكلام للمبادرة، والتوازن بين الحضور والمراقبة.

2. الخصوصية: مبدأ لا مساومة فيه

عندما يبدأ الموظف الجديد، وخصوصًا في مجال الموارد البشرية، بالاطلاع على الملفات والمعلومات الحسّاسة، قد يختلط عليه الأمر بين ما هو متاح له بحكم عمله، وبين ما يجب أن يضبط نفسه عن التطفل عليه. وهنا تظهر أولى الاختبارات الأخلاقية الحقيقية: هل الموظف مؤتمن بالفعل؟ وهل يدرك حجم المسؤولية التي بين يديه؟

من هذه الزاوية، يشدد عبد المجيد العنزي على أن التعامل مع البيانات لا يعني امتلاك الحق في الاطلاع عليها، إذ يقول: «ما لا يجب أن أراه، لا أراه. وما لا يجب أن أعرفه، لا أبحث عنه. هذه قاعدة أخلاقية أساسية في عملنا».

هذه القاعدة، رغم بساطتها الظاهرية، تحمل في طياتها عمقًا مهنيًا كبيرًا. فهي تعكس مستوى من النضج الداخلي والالتزام الأخلاقي الذي لا يمكن تدريسه، بل يُكتسب من خلال القيم والمواقف التي يتبناها الفرد. فالموظف الذي يستسلم لفضوله في أول الأيام، ولو من باب المعرفة، يضع نفسه في موضع شك قد لا ينجو منه لاحقًا.

ويشير العنزي إلى موقفٍ طريف لكنه معبّر، حيث يقول: «أذكر في وقت ما، كان عندي ملف الرئيس التنفيذي، والله إني استحيت أنظر إلى راتبه». ثم يضيف ضاحكًا: «يمكن شوي متحسف… ودي أعرف كم كان راتب الرئيس التنفيذي! لكن فعليًا فيه أخلاقيات لازم يتمسك فيها موظف الموارد البشرية، مثل الاطلاع على المعلومات الخاصة بالموظف، أو إفشائها… هذه تنافي كل الأخلاقيات المهنية».

هذا النوع من المواقف قد يبدو بسيطًا للبعض، لكنه في الواقع يكشف عن الخط الفاصل بين الموظف المؤتمن، والموظف الفضولي، فالموظف الذي يضبط نفسه أمام إغراء المعرفة غير المشروعة، يبرهن على استحقاقه للثقة ومن هنا تبدأ السمعة المهنية في التشكل.

في كثير من المؤسسات، لا يُقاس نجاح موظف الموارد البشرية بقدرته على حفظ البيانات أو معالجة الرواتب فقط، بل يُقاس بقدرته على صيانة الأسرار، وحماية الخصوصيات، والامتناع عن مشاركة ما لا يجب مشاركته حتى مع أقرب الزملاء.

وفي بيئة أصبحت فيها البيانات الرقمية مكشوفة، وقابلة للاختراق أو التسريب، فإن الضابط الأخلاقي الداخلي هو الحاجز الأخير الذي يحمي المؤسسة من الانهيار القيمي، من هنا، فإن من يلتزم بهذه المبادئ ليس فقط موظفًا جيدًا، بل مساهم في تعزيز ثقافة الشفافية والاحترام داخل المؤسسة.

كما أن السمعة، في مجال الموارد البشرية، لا تُبنى عبر الأداء الظاهر فحسب، بل تُبنى من خلال مواقف دقيقة ومتكررة، لا يُعلن عنها الموظف، لكنها تُسجل له –أو عليه– في ذاكرة المؤسسة. والموظف الذي يحترم الخصوصية، حتى حين لا يراقبه أحد، يُبعث برسالة قوية مفادها: «أنا أهل للثقة».

ففي نهاية المطاف، كل معلومة ترى ما لا يجب أن ترى، وكل ملف يُفتح دون داعٍ، هو خصم من رصيدك المهني، وقد لا يظهر أثره فورًا، لكنه سيكون حاضرًا في اللحظة التي تُطرح فيها أسماء «المرشحين للترقية»، أو «المؤهلين لقيادة فريق»، أو «المشاركين في اجتماع حسّاس».

3. التواضع لا ينقص من قدرك... بل يعززه

يخطئ كثير من الموظفين الجدد حين يظنون أن إثبات الذات يعني الظهور بمظهر الخبير منذ اللحظة الأولى، متناسين أن البدايات الناجحة تبنى بالتواضع، لا بالتصنع، بالإنصات أكثر من الادعاء بالمعرفة.

في رده على سؤال: «كموظف جديد بالموارد البشرية، بماذا تنصحني؟» شدّد عبد المجيد العنزي على أهمية أن يلتزم الموظف الجديد بدوره الطبيعي دون استعجال أو تقمّص أدوار غير مناسبة.

يقول عبد المجيد العنزي: «خليك على نفس المتوقع منك. لا تقصر، لكن لا تندفع ولا تتعجل أنك تتقمص دور الشخص الخبير… ما فيها شيء أنك تتواضع وتبسّط الأمور وتعرف أن هذا المتوقع منك، أنك ما تعرف وأنك تسأل وتستشير كثيرًا».

يضيف: «خليني أبسط الفكرة: الاستشارة والرجوع للمدير والزملاء الأكثر خبرة، أنا أعتقد أن هذه أكبر أداة ممكن تساعدك في كسب الناس اللي حولك، وعدم الخروج عن النص».

يذهب خبراء التطوير المهني في الاتجاه ذاته، مشيرين إلى أن الموظف الجديد لا ينتظر منه امتلاك الإجابات بقدر ما ينتظر منه أن يظهر رغبة صادقة في التعلم، والانفتاح على تجارب الزملاء، خصوصا في بيئات عمل دقيقة كالموارد البشرية.

4. الإنسان قبل الموظف: كسب الحلفاء لا الخصوم

لا يكفي أن تكون مؤهلاً أو بارعًا تقنيًا لتنجح في بيئة العمل. النجاح الحقيقي لا يُبنى فقط على المهارات، بل على العلاقات. الموظف الجديد الذكي يدرك منذ لحظة دخوله المؤسسة أن كل من حوله ليسوا مجرد زملاء عمل، بل أطرافًا يمكن أن يكونوا إما داعمين لمسيرته... أو عوائق أمامها.

يرى عبد المجيد العنزي أن بناء علاقات إنسانية إيجابية داخل المؤسسة، لا سيما في البدايات، عامل حاسم في تشكيل صورة الموظف الجديد، ويقول: «حتى لو تعرف أنت التصرف المناسب… اقعد مع زميلك واسأله: وش رأيك؟ وش تجربتكم في هذا؟ الطريقة هذه تحسّس الطرف الآخر أنك تحترمه وتثق فيه، وتخليه يحسّ أنك حليف له مش منافس».

هذا التصرف البسيط –سؤال الزميل عن رأيه– ليس مجرد مجاملة عابرة، بل هو أسلوب ذكي في بناء التحالفات، فالموظف الذي يُشعر من حوله أنهم جزء من قراره، أو أن رأيهم مهم في طريقة تنفيذه، يُعزز ثقتهم فيه، ويجعلهم أكثر استعدادًا لدعمه لاحقًا في مواقف أكثر تعقيدًا.

ويضيف العنزي مؤكدًا أهمية هذه العلاقات: «الجلسة مع الزملاء والتعلم منهم من أكثر الأدوات اللي تبني لك ناس يكونون قريبين منك. تكسب حلفاء أكثر، وهذه تعينك على مجالك في المستقبل».

ويختم عبد المجيد العنزي بتأكيده أن الموظف الجديد لا يحتاج إلى أن يثبت شيئا لأحد بسرعة، بل إلى أن يثبت لنفسه أنه يتعلم، ويتطور، ويؤدي المهام بأسلوب يتماشى مع قيم المؤسسة. فالنجاح، كما يقول، ليس سباقاً قصيراً بل ماراثون طويل، أساسه: الصبر، والتعلم، والتواضع، والالتزام الأخلاقي.

هذه النصيحة تتوافق مع ما يؤكده  «مايكل دي واتكنز» في كتابه الشهير «The First 90 Days»، حيث يرى أن النجاح في الوظيفة لا يقاس فقط بمدى إنجاز المهام، بل بقدرة الموظف على بناء تحالفات إستراتيجية داخل المؤسسة تُمكنه من التأثير والمضي قدما بثقة.

5. المعرفة القانونية… سلاح الموظف الذكي

يكتسب الموظف الجديد قوة إضافية حين يلمّ بالأنظمة والقوانين في بيئة العمل، ليس من باب التخصّص القانوني، بل بوصفها أدوات أساسية لفهم حقوقه وواجباته، وللتصرف بثقة في المواقف اليومية. لهذا السبب، يؤكد عبد المجيد العنزي على ضرورة أن يطلع موظف الموارد البشرية، حتى في بداياته، على الأنظمة الأساسية التي تحكم عمله.

إذ أكّد أ. عبد المجيد أن الموظف الجديد لا يتوقع منه أن يكون خبيراً قانونياً، لكنه مطالب بأن يكون مـُطلعاً، على الأقل، على الأنظمة الأساسية، وعند سؤاله عن المصادر التي يجب أن يطلع عليها الطالب أو الموظف الجديد في الموارد البشرية، أجاب عبد المجيد العنزي: «أكثر نظام يتداخل مع عملك بشكل عام هو نظام العمل».

كما أوصى بزيارة المركز الوطني للوثائق والمحفوظات، الذي يعدّ مصدراً ثرياً ومجانياً للأنظمة واللوائح، ويوفر إمكانية التمييز بين الأنظمة السارية والمنتهية. وأشار عبد المجيد العنزي إلى أن الإلمام بالتفاصيل هو ما يميز المتخصص الحقيقي عن غيره، يقول: «وجودك في مقابلة عمل، وطريقتك في الحديث عن هذه الأنظمة، تُظهر مدى وعيك وثقافتك».

 

ختامًا، إنّ هذه التجربة تفتح أمامنا أبواباً لفهم أعمق لبداية الحياة المهنية، خاصة في مجال كالموارد البشرية، تعلّمنا أن المهارات الناعمة، كالصبر والتواضع وحسن الاستماع، ليست أقل شأنًا من المهارات الفنية.

إذا كنت على مشارف أول تجربة وظيفية، أو تدير فريقًا فيه موظفون جدد، ندعوك لتحميل كتابنا المجاني «تأهيل الموظف الجديد»، الذي يقدم دليلًا عمليًا شاملًا لبناء أول 90 يومًا بطريقة فعالة ومدروسة.

اقرأ أيضًا على مدونة جسر

الاشتراك-في-نشرة-جسر-HR-البريدية

اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية