كيف يمكننا التعرف على إمكانات الموظفين بطريقةٍ شاملة؟ سؤال يطرحه القادة والمهنيون في الموارد البشرية باستمرار، وتختلف الإجابات عليه بحسب السياق والمنهجية المُتبعة. ومع ذلك، يتفق كثير من الممارسين المخضرمين اليوم على فاعلية تقييم الأداء 360 درجة، بوصفه أداة عميقة الرؤية تسمح بجمع تغذية راجعة متعددة المصادر من المديرين والزملاء والمرؤوسين (وأحيانًا العملاء).
لاحظ أن هذا النوع من التقييم لا يُقدّم لك مجرد أرقام سطحية، بل يفتح باباً لفَهمٍ أوسع لسلوكيات موظفيك وقدراتهم وفرص نموهم الشخصي والمهني، لأنه ببساطة لا ينظر من زاوية واحدة فقط.
لكن قبل السعي إلى تطبيق هذا التقييم في شركتك، لا بُد من أن نطرح هنا بعض الأسئلة المهمة، منها:
- ما آلية عمل تقييم الأداء 360 درجة؟
- كيف تتجنب الأخطاء الشائعة التي قد يرتكبها المختصون عند تطبيقه؟
- وكيف يمكن تبنّيه بذكاءٍ دون أن يتحول إلى عبء زمني أو إداري على موظفيك؟
وهذا ما سأتناوله في الفقرات القادمة.. مع اقتراح نصائح عملية لتطبيق هذا النموذج في شركتك. لذا تابع قراءتك بعناية.. جاهز؟
لكن دعنا نبدأ أولاً بهذا السؤال التمهيدي..
ما هو تقييم الأداء 360 درجة؟
على الرغم من ظهور فكرة تقييم الأداء 360 درجة في منتصف القرن العشرين بطريقةٍ مبدئية، إلا أن هذا المفهوم لم يحظَ بشعبيته الحالية إلا منذ أوائل التسعينيات. ولكنه يُعد اليوم أداة رئيسية تعتمد عليها كبرى المنشآت عند الحديث عن التطوير المهني الفعّال، لما يُقدمه من رؤية متعددة الزوايا حول أداء الموظف.
فإذا نظرت معي إلى التقييمات التقليدية، ستلاحظ اعتمادها على مصدر تقييم واحد. على سبيل المثال، يُقيَّم الموظف في كثير من الشركات من قِبل مديره المباشر فقط، وهو لا يرى سوى زاوية واحدة من أداء موظفه، مثل التزامه بالوقت أو جودة تقاريره الرسمية. لكن ماذا عن طريقة تعامله مع الزملاء؟ أو دعمه لفريقه؟ أو سلوكه مع العملاء؟
قد تغيب كل هذه الجوانب تماماً عن التقييم إذا لم تُدمَج آراء مَن يعملون عن قرب مع الموظف. وهنا يبرز تفوّق نموذج تقييم 360 درجة؛ لأنه يجمع البيانات ممّن يعملون مع الموظف بصفة منتظمة، الأمر الذي يُزود الشركة برؤية واقعية تكشف أكبر قدر من التفاصيل، مثل ذكاء الموظف العاطفي ومواطن التحسين التي لا تظهر في التقييمات التقليدية.
ولكن هل هناك أي جوانب إيجابية أُخرى لتقييم الأداء بهذه الطريقة؟
مميزات تقييم الأداء 360 درجة
إذا تعمقنا في تفاصيل تقييم الأداء الشامل 360، سيتبيّن لنا أنه يُوضِّح توقعات مَن يتفاعلون مع الموظف يومياً بطريقةٍ أكثر موضوعية وعدالة؛ ما يُساهم في تحسين التواصل وتعديل الأوصاف الوظيفية تبعاً لاحتياجات شركتك وتطلعاتها.
ويمكننا هنا عرض المزيد من مزايا تقييم 360 درجة بتقسيمها على النحو الآتي:
ما يُحققه المديرون: |
ما يجنيه العملاء: |
|
|
ما تُحققه الإدارة العليا: |
ما يستفيده الموظف: |
|
|
والآن، دعنا نتعرف على..
كيفية تطبيق تقييم الأداء بطريقة 360 درجة في شركتك
يتطلب نظام تقييم الأداء 360 درجة تخطيطاً دقيقاً حتى لا يتحول إلى عبء زمني أو إداري.. وفيما يلي أهم 5 ممارسات يُفيدك مراعاتها إذا ما قررت اعتماد هذا التقييم:
1. أَشْرِك أصحاب المصلحة الرئيسيين
ادعُ المعنيين بعمليات التقييم واتخاذ القرار في شركتك وأَطْلعهم على مفهوم تقييم الأداء 360 درجة. يجب أن تسعى هنا إلى بناء حالة من التوافق والالتزام بشأن أهداف التقييم وآلية تطبيقه وكيفية استخدام نتائجه في خطط تطوير الموظفين وتطلعات المنشأة وإستراتيجياتها.
أسئلة مفيدة
وهذه مجموعة من الأسئلة التي تساعدك على تجاوز هذه المرحلة بنجاح.. اسأل نفسك هنا:
- مَن هم أصحاب المصلحة الذين يؤثرون في نجاح أو فشل هذا التقييم؟ (حددهم بالأسماء أو المناصب، مثل مدير عام أو مدير تطوير تنظيمي أو مدير الموارد البشرية.. إلخ).
- ما مخاوفهم المحتملة؟ وكيف يمكن طمأنتهم؟ (حدد مجموعة من المخاوف، مثل ضعف ثقافة التقييم في الشركة أو غياب المتابعة أو عدم القدرة على إبداء الآراء بموضوعية وعدالة.. إلخ).
- هل صممت خطة تواصل داخلية تُشرك المعنيين بعملية التقييم؟ (مثل اللقاءات التعريفية أو النشرات البريدية أو جلسات مراجعة النتائج بانتظام.. إلخ).
- ما المستوى المطلوب من مشاركة صناع القرار والمسؤولين؟
- هل أوضحت لهم أهداف التقييم ونتائجه؟
2. حَدِّد معايير نجاح تقييم الأداء
لكي تُنفّذ نموذج تقييم الأداء 360 درجة بنجاح وتُحقق منه نتائج فعلية، احرص أولاً على تحديد معايير دقيقة يسهل قياسها وتحليلها. ومن الأفضل تقسيم هذه المعايير إلى 3 مراحل مترابطة تساعدك على تتبع الأثر في كل خطوة من خطوات عملية التقييم على النحو الآتي:
- نجاح التنفيذ: يُقاس هذا المؤشر بمدى تجاوب المشاركين مع التقييم. على سبيل المثال، وصول نسبة اكتمال استبيانات التقييم إلى 90٪ خلال أول 10 أيام من إرسالها. لاحظ معي أن هذا المعيار يدل على كفاءة التحضير ووضوح التعليمات والتزام الأطراف المعنية بالمشاركة.
- نجاح المعالجة: تُقاس هذه المرحلة بمدى تحويل نتائج التقييم إلى خطط تطوير قابلة للتنفيذ، مثل: إعداد خطة تطوير فردية مخصصة لكل موظف جرى تقييمه. يعكس هذا المؤشر التزام شركتك بتفعيل التغذية الراجعة واستخدامها فعلياً لتحسين أداء موظفيها.
- نجاح الأثر: وهو الهدف الأعمق من التقييم، ويُقاس من خلال المخرجات السلوكية والعملية على مستوى الفِرق، مثل: تحسّن مهارات موظفيك أو انخفاض شكاوى الفريق أو زيادة معدلات الرضا في استبيانات العملاء اللاحقة.
مثال توضيحي
ولتطبيق هذه المراحل عملياً، دعنا نفترض هنا وجود شركة سعودية طبقت نظام تقييم الأداء 360 درجة، وتهدف إلى قياس نجاح نموذجها بناءً على المعايير الموضوعة في المثال التالي:
الوضع الفعلي بعد التقييم |
الهدف الزمني |
المعيار |
تحقق خلال 8 أيام. |
خلال 10 أيام. |
معيار التنفيد: إكمال 95٪ من استبيانات التقييم المطلوبة. |
تحقق بنسبة 92%. |
خلال أسبوعين من انتهاء التقييم. |
معيار المعالجة: وجود خطة تطوير فردية موقعة لكل موظف. |
ارتفع التقييم من 3.1 إلى 4.2. |
بعد 6 أسابيع. |
معيار الأثر: رصد تحسن في مهارات التواصل (من خلال استطلاع لاحق). |
توصية: لا تُفرط في عدد مؤشرات النجاح، وركّز على 3 إلى 5 مؤشرات رئيسية ترتبط بالأثر الحقيقي، مثل: جودة الخطط أو سلوكيات العمل الفعلية.
3. اخلق حالة من الإلحاح والمكافأة
قد لا يُنظر دوماً إلى استبيانات التقييم 360 درجة على أنها أولوية مُلحّة، خصوصاً في بيئة العمل المزدحمة، مما يؤدي -أحياناً- إلى تأخير تعبئتها أو تجاهلها من قِبل الأطراف المعنيّة بعملية التقييم. لذا، من الضروري خلق شعورٍ بالإلحاح والتقدير لتشجيع الأطراف على ملء الاستبيانات وإبداء آرائهم بفاعلية.
نصائح ملهمة
وفيما يلي بعض الخطوات العملية التي ستساندك في هذه المرحلة:
- حَدِّد موعداً نهائياً: أبلغ المشاركين مسبقاً بتاريخ تسليم نهائي محدد وذكرهم به. سيفيدك أيضاً أن تُضيف العد التنازلي إلى البريد الإلكتروني أو على اللوحة الداخلية لنظام التقييم المستخدم.
- اربط الموعد النهائي بأثر تنظيمي واضح: اخلق شعوراً بالإلحاح بربط عملية التقييم بأثر تنظيمي، كأن تتفق مع الأطراف المعنية على عدم عقد اجتماع خطط التطوير إلا بعد اكتمال جميع التقييمات.
- قدّم حافزاً معنوياً أو مادياً: قد يفيدك هنا أن تُقدم بعض الحوافز المعنوية أو المادية البسيطة حتى تُشجِّع الأطراف المعنية بإكمال الاستبيانات المطلوبة. فكّر هنا في عرض أشياء رمز مثل كوبونات قهوة أو شهادات تقدير سريعة عبر البريد أو دخول سحب على جوائز ملهمة.
توصية: تذكر هنا أن تُبرز قيمة المشاركة وتربطها بأهداف التطور الشخصية والمهنية للموظفين. وحتى لا يتحول تقييم الأداء إلى عبء إداري يستهلك طاقة الأطراف المعنية، قد يفيدك الاعتماد على نظام إدارة الأداء من جسر؛ فهي تُسهِّل تخصيص نماذج التقييم وتحديد هدفها الزمنيّ، مع سهولة مراجعتها ومتابعة تحديثاتها لحظة بلحظة (ويمكنك التعرف هنا على أبرز 7 مشكلات في تقييم الأداء وكيف يساعدك جسر في حلها).
4. صمم محتوى ملائم لاستطلاعات 360 درجة
من المهم أن تستبعد الأسئلة العامة أو النماذج غير المخصصة عند إنشاء نموذج تقييم الأداء؛ إذ غالباً ما تكون هذه الصيغ غير كافية لتعكس الواقع الفعلي لثقافة شركتك وسلوكياتها المرجوة. وبناءً عليه، صمم استبيانات التقييم بما يتناغم مع القيم الجوهرية والكفاءات الأساسية التي تسعى إلى ترسيخها داخل منشأتك.
ومع ذلك، لا تُهمل أهمية النماذج الجاهزة؛ فهي تُشكّل نقطة انطلاق مناسبة، خاصةً في المراحل الأولى من تطبيق التقييمات، كما تمنح فِرق العمل مرجعية موحدة تُسهّل لهم التتبع والمقارنة. لكن لتحقيق أعلى درجات الدقة والتأثير، فإن الاستبيانات المُخصصة -التي تُبنى على فَهمٍ حقيقي للسياق الداخلي- هي خيارك الأمثل.
وربما تسألني هنا عن الأمور التي يمكن تضمينها في استبيانات تقييم الأداء 360..
ما الذي يجب أن يتضمنه الاستبيان؟
- ركزّ على قيمك الجوهرية واجعلها من بنود التقييم: على سبيل المثال، إذا كانت شركتك تُولي أهمية خاصة لمعدلات الابتكار، فاحرص على تضمين بند يُقيِّم المهارات الابتكارية لدى المسؤولين والموظفين، مثل: «هل يبادر بطرح أفكار جديدة تُسهم في تحسين الأداء أو رفع جودة الخدمة؟».
- تجنب الأسئلة العامة: بدلاً من أن تعرض أسئلتك بطريقة عامة، مثل: «هل الموظف جيّد؟»، خصص أسئلتك وزِد عمقها باستعراض السلوكيات التي تهمك، كالسؤال عن «مدى استجابة الموظف للتغذية الراجعة؟»، أو «كيف يتعامل مع التحديات اليومية ضمن الفريق؟».
- استخدم مقياساً تدريجياً مع ترك مساحة للتعليقات: قد يفيدك تضمين مقياس تدريجي في استبياناتك (من 1 إلى 5 مثلاً). ولا تغفل عن ترك مساحة حرة تسمح للمشاركين بإبداء آرائهم ومقترحاتهم، ويمكن أن تنتهز هذه المساحة بالسؤال عن السلوكيات الإيجابية أو المواقف الملفتة للنظر في سلوك الموظفين ومهاراتهم، مثل: «ما أبرز سلوك إيجابي لاحظته لدى الموظف؟».
5. عَزّز موثوقية البيانات
لنجاح تقييم الأداء 360 درجة، لا يكفي جمع الرودود فقط، بل ينبغي أن تكون البيانات موثوقة وقابلة للاستخدام من قِبل مختلف الأطراف المعنية، موظفين كانوا أو مشرفين. وتُقاس موثوقية هذه البيانات على مستويين:
- المصداقية الفعلية: هل البيانات دقيقة ومتماسكة ومستندة إلى سلوكيات واقعية يمكن ملاحظتها؟
- المصداقية المتصورة: هل تثق الأطراف المعنية في نزاهة البيانات وصحتها وعدالتها؟
أفضل الممارسات لضمان موثوقية البيانات في تقييم 360
ولكي تضمن تحقيق أكبر قدرٍ من الثقة والاعتمادية على البيانات التي تَجمعها، إليك مجموعة من الممارسات التي يُوصى بالالتزام بها:
- استعن بعددٍ كافٍ من المقيّمين: اختر مصادر متنوعة لتقييم موظفك، وذلك لتفادي التحيز الفردي وتحقيق تمثيل شامل.
- انتقِ مَن هم على دراية كافية بالمُقيَّم: الجأ للأشخاص الذين تعاملوا مباشرةً مع الموظف خلال فترة زمنية مناسبة (لا تقل عن 3 أشهر مثلاً)؛ حتى تكون التقييمات نابعة من تجربة فعلية.
- دَرِّب المقيمين على كيفية تقييم الأداء: قدّم إرشادات مختصرة أو جلسة تعريفية تُوضح للمقيّمين كيف يقيّمون بدقة، وكيف يفرّقون بين الرأي والانطباع وبين السلوك والنتائج.
- استخدام أدوات قياس احترافية: من الضروري استخدام أدوات مَرِنة تسمح لك بقياس السلوكيات المهنية بشفافية، كما تُزودك بتحديثات مستمرة حول أداء موظفيك. لذا، من المفضل أن تستعين بالأدوات الذكية (مثل نظام جسر).
الخلاصة
بالنهاية، تذكر أن تقييم الأداء 360 درجة هو فرصة مثالية لإعادة اكتشاف الأفراد في شركتك. ويفيدك في التعرف على الديناميكيات الداخلية لفِرق العمل، ما يفتح لك باباً لتحسين مخرجات المهام وتعزيز التواصل وتوجيه النمو الفردي والجماعي بما يتسق مع أهداف شركتك والتزاماتها.
وإن راودك التساؤل حول كيفية تحويل نماذج تقييم الأداء إلى أدوات فعّالة تُحدّث أثراً حقيقياً، أدعوك لاستكمال قراءتك للمقال التالي الذي يكشف لك طرقاً عملية لتحقيق الاستفادة القصوى من نماذج التقييم.
أحمد عبد الوهاب
كاتب وباحث بخبرة تزيد عن 7 سنوات، يساهم مع جسر في كتابة موضوعات مفيدة يسعى من خلالها إلى ربط مسؤولي الموارد البشرية بنصائح عملية تساعدهم على تحقيق أقصى استفادة من مواردهم. تتركز أبحاثه في التخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية وإدارة المواهب والأداء والتدريب الوظيفي، وغيرها من المجالات المرتبطة التي تمكّن صناع القرار من الوصول إلى أهدافهم واتباع إستراتيجيات أذكى وأكثر تميزًا. بجانب اهتمامه بالكتابة والبحث فهو حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة.
اقرأ أيضًا على مدونة جسر

اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية
ابدأ الآن مع جسر
اطلب العرض التوضيحي الخاص بك