إذا تأملنا مشهد سوق العمل السعودي اليوم، لا يسعنا إلا أن نُدرك عمق التحول الذي تشهده المملكة؛ فمع تسارع وتيرة النمو الاقتصادي وتوسع المشاريع الوطنية وتعاظم الاستثمار في القطاعات الحيوية -من التقنية والمالية إلى السياحة والطاقة المتجددة- تظهر تساؤلات محورية تشغل بال كثيرين، مثل:
«هل سيواكب هذا النمو ارتفاعاً في متوسط الرواتب في السعودية، أم أن المنافسة المتزايدة ستقود إلى ثبات الأجور أو حتى انخفاضها في بعض القطاعات؟».
أي بتعبيرٍ آخر، هل نحن مُقبلون على سوق يفرض على الشركات استقطاب الكفاءات ورفع سقف الرواتب لجذبهم، أم أننا بصدد بيئة تنافسية تجعل الموظف مضطراً لقبول عروض أقل مقابل استقرار أو فرص أوسع؟
ومن هنا تنبثق أسئلة أعمق، منها على سبيل المثال ما يلي:
- ما العوامل الحقيقية التي تُحدِّد مستوى الرواتب في السوق السعودي؟
- ما الذي يجعل خبير تسويق يتقاضى 7000 ريال شهرياً، وخبير آخر ينال 15000 ريال؟
- وهل تؤثر متغيرات مثل التضخم والموقع الجغرافي على هذا التفاوت؟
- والسؤال الأهم: كيف ستتغير هذه المعادلة في المستقبل؟
كل هذه الأسئلة وأكثر تدور في أذهان المسؤولين والموظفين على حدٍ سواء.. ولكي نُبحر في هذه الأسئلة بمزيدٍ من التبصّر والموضوعية، تواصلنا مع المستشار خالد الحربي، أحد الأسماء اللامعة في مجال الموارد البشرية في المملكة بخبرةٍ تفوق العشر سنوات.
ولكن أولاً، دعنا نبدأ من السؤال التالي..
ما الذي تقوله الأرقام عن الرواتب في السعودية حالياً؟
وفقاً لتقريرنا الأخير في جسر حول رواتب الموظفين في السعودية لعام 2024-2025، أفاد 64.7٪ من المشاركين بأن الرواتب في منشآتهم شهدت زيادات ملحوظة خلال عام 2024. يعكس هذا الأمر استجابةً ملموسةً في بعض القطاعات لاحتياجات الموظفين وتغيرات السوق.
وأشار 60٪ من الخبراء إلى أن قرار زيادة راتب الموظف من عدمه يعتمد -أولاً وأساساً- على مستوى الأداء الوظيفي؛ مما يسلّط الضوء على أهمية بناء ثقافة عمل قائمة على الكفاءة والتطور المهني (تعرف من هنا على طرق عملية تساعدك على تطوير الموظفين وجعلهم أكثر إنتاجاً).
أما على صعيد الرضا العام، فقد عبّر 57.7٪ من المختصين عن اعتقادهم بأن موظفيهم «راضون إلى حد ما» عن الرواتب التي يتقاضونها، في حين يرى 30.8٪ أن هناك حالة من عدم الرضا، أي أن هناك فجوة متزايدة بين تطلعات الموظفين والممارسات الحالية في إدارة الأجور.
وإن كنت ترغب في التعمق أكثر في تفاصيل الدراسة -بما في ذلك منهجية البحث ومتوسط الرواتب حسب القطاع والمنطقة والمستوى الوظيفي- يمكنك إذاً تحميل التقرير من هنا مجاناً؛ علماً بأن البيانات الواردة في التقرير تستند إلى قاعدة معلومات واسعة تضم أكثر من 240,000 موظف يعملون فيما يزيد عن 3,000 شركة من مختلف الصناعات والمناطق داخل المملكة؛ مما يضمن تمثيلاً دقيقاً وشاملاً لسوق العمل السعودي.
وفي هذا السياق، يقول خالد الحربي: «حين تجد تقريراً يُقدّم لك بيانات دقيقة ويُفصّل مستويات الرواتب حسب القطاعات وسنوات الخبرة ويعكس لك الصورة الحقيقية لسوق العمل، فأنت أمام مصدر يتمتع بمصداقية عالية.. وهذا بالضبط ما وجدته في تقرير جسر».
والآن، دعنا ننتقل إلى السؤال التالي..
ما العوامل الحقيقية التي تُحدِّد مستوى الرواتب في السوق السعودي؟
يخضع متوسط الرواتب لمزيجٍ من المؤثرات الاقتصادية والتنظيمية والتنقية والسلوكية، وليس الشهادات الجامعية وحدها.. وفيما يلي أبرز العوامل التي تؤثر على الرواتب في المملكة العربية السعودية:
1. النمو الاقتصادي
لا يؤثر النمو الاقتصادي فقط على الناتج المحلي أو قوة العملة، بل يُعدُّ ركناً أساسياً ومباشراً في تحسين مستوى رواتب الموظفين؛ فحين يتسع نطاق الازدهار وتُضخ الاستثمارات في الأسواق، تتغير ملامح سوق العمل ويصعب حينها على الكفاءات أن تقبل برواتب متدنية لا تواكب معدلات التطور ولا تنصف حجم المساهمة.
أضف إلى ذلك، أن كل مرحلة نمو اقتصادي تُولِّد مشروعات جديدة، وكل مشروع يحتاج إلى أيدٍ خبيرة تُشغله وتديره؛ مما يرفع سقف التنافس بين الشركات على استقطاب ذوي المهارات العالية، فيرتفع بالتبعية متوسط الرواتب.
وفي هذا السياق، يوضح المستشار خالد الحربي هذه الفكرة بقوله:
«الأساس الذي تُبنى عليه الكيانات دائماً هو اقتصاد البلد؛ فمتى كان اقتصاد البلد في مرحلة نمو -ونمو عالٍ جدًا- ستتنوع القطاعات، وستلاحظ دخول شركات كثيرة إلى سوق العمل؛ مما يؤدي إلى حالة صراع أو تنافس بين هذه الشركات وبعضها؛ لأن كل شركة ستفكر كيف تناطح وتنافس الشركة الأخرى».
ويضيف موضحاً كيف ينعكس ذلك على واقع التوظيف والرواتب في المملكة العربية السعودية بقوله:
«إذاً، فالمولد الأساسي للوظائف في جميع الدول هو اقتصاد البلد، ونحن اقتصادنا -الحمد لله- في نمو مزدهر، خاصةً بعد رؤية 2030؛ فما قبل 2016 يختلف تماماً عما بعد 2016 بشكلٍ جذري، ولم نُكمل بعد عشر سنوات على بداية هذه الرؤية».
يؤكد هذا التصريح أن التحولات الهيكلية التي تشهدها المملكة حالياً ليست مجرد تحسينات شكلية، بل هي تغييرات جذرية تؤثر تأثيراً مباشراً على سلم الرواتب في السوق وعلى فلسفة التوظيف عموماً.
لُب السالفة هنا: كلما استمرت عجلة النمو بالتحرك، سيزداد استقطاب الكفاءات المؤهلة وسيرتفع معها سقف التوقعات المادية وستضطر الشركات إلى مواكبة هذا التغيير للحفاظ على تنافسيتها في السوق. وهذا ما يجعل مراقبة المؤشرات الاقتصادية أمراً حيوياً لفَهم مسار الرواتب واتخاذ قرارات مهنية وتنظيمية أذكى وأدق.
2. وفرة المهارات وندرتها
عندما نُفكر في سوق العمل، سنلاحظ أن الوظائف الخدمية -التي لا تتطلب مهارات عالية أو خبرات نادرة- تشهد إقبالاً واسعاً من الباحثين عن عمل، ما يؤدي غالباً إلى انخفاض متوسط الرواتب في هذا النوع من الوظائف نتيجة كثرة المعروض.
على نقيض ذلك، حين يتعلق الأمر بوظائف تخصصية تتطلب كفاءات نادرة أو خبرات متراكمة يصعب توفرها، فإن المنطق يقتضي أن ترتفع الرواتب لجذب تلك المهارات النادرة والاحتفاظ بها.
قِس هذا الواقع على منشأتك: إن كنت تمتلك وفرة في المهارات والخبرات اللازمة لدفع عجلة النمو، فسيُتاح لك إذاً هامش مرونة أوسع عند تصميم هيكل الرواتب. أما إذا كانت شركتك في أمسِّ الحاجة إلى مواهب نادرة يصعب العثور عليها، فلابد من تخصيص ميزانية تنافسية للرواتب مدعومة بحوافز نوعية ومزايا غير مالية لجذب هذه الطاقات. وهذا ما يؤكده علم اقتصاد الموظفين، إذ يُثبت أن الراتب وحده لا يكفي لتحفيز الأداء المستدام (قد يهمك قراءة: هل الرواتب كافية لتحفيز الموظفين في الشركات؟).
يوضح المستشار خالد الحربي هذه الفكرة بقوله:
«ثاني محرّك من محركات تحديد الرواتب هو مدى وجود المهارات والخبرات التي تحتاجها المنشآت للنمو؛ فغالبية الشركات، خاصةً ذات التوجه الإستراتيجي تعتمد بطاقة الأداء المتوازن، والتي من أهم أركانها: التعلم والنمو. والسؤال هنا: كيف تصل المنشأة إلى مستهدفاتها إن لم يكن لديها موظفون يمتلكون القدرة الحقيقية على النهوض بها؟ الجواب واضح: لا بد من استقطاب المهارات المناسبة، ثم تقديرها بما تستحقه».
لُب السالفة هنا: يُعيد هذا الفهم ترتيب الأولويات عند التفكير في الرواتب؛ فالأمر لا يرتبط بالتكلفة فقط، بل بالقيمة التي تضيفها كل مهارة إلى مستقبل شركتك.
3. التحولات التشريعية والأحداث الاجتماعية
يتأثر متوسط الرواتب أيضاً بالتحولات التشريعية والتنظيمية التي تشهدها المملكة في ضوء رؤية 2030. ومن أبرز الأمثلة التي أشار إليها خالد الحربي هو أثر خصخصة بعض القطاعات الحكومية، إذ يقول:
«لم يكن القطاع الحكومي في السابق خياراً شائعاً بسبب محدودية الفرص ونوعية العقود، لكن مع الخصخصة وتغير نماذج التشغيل، تغيّر الوضع؛ لأن العقود أصبحت أكثر مرونة ولاحظنا تنافس الوزارات فيما بينها لتحقيق مستهدفات الرؤية، ما أدى إلى رفع سقف الرواتب لتصبح أكثر جذباً للكفاءات المتميزة».
ولا يمكن أن نغفل هنا عن الأحداث الاجتماعية التي تشهدها السعودية؛ فهي تؤثر على هيكل الأجور بشدة. وفي هذا الصدد، يضرب «خالد» مثلاً باستضافة كأس العالم 2034؛ فهذه الاستضافة لا تُعد مجرد مناسبة رياضية، بل هي فرصة اقتصادية ضخمة.
إذ سنُلاحظ توسع الشركات في قطاعات الرياضة والترفيه والمواد الاستهلاكية والتجزئة من أجل بناء حضور قوي قبل حلول هذا الحدث. أي أن كل الشركات الطموحة تسعى الآن لرفع اسمها حتى تكون حاضرةً في الوعي العام قبل انطلاق كأس العالم. ويُعزز هذا الأمر التوسع الوظيفي واستقطاب ذوي المهارات برواتب تنافسية.
4. الموقع الجغرافي
من المهم عند تصميمك لهيكل الرواتب في شركتك ألا تغفل عن أحد العوامل المؤثرة، ألا وهو: الموقع الجغرافي للمنشأة والعاملين بها؛ فالوضع الاقتصادي والمعيشي يختلف من مدينة إلى أخرى داخل المملكة؛ مما يجعل الرواتب بطبيعتها متفاوتة حسب المنطقة.
وقد أوضح خالد هذه الفكرة قائلاً: «رواتب الموظفين في الرياض ليست مثل رواتب الموظفين في الدمام. وهذا لا يعني أن أهل الرياض أكثر كفاءة من الدمام، بل يرجع السبب إلى حجم النمو الاقتصادي ومستوى التنافس بين الشركات وحجم الطلب على المهارات في كل مدينة».
بمعنى آخر، النشاط الاقتصادي في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة ومكة ونيوم، يُولِّد مشروعات ضخمة ويخلق طلباً متزايداً على الكفاءات، مما يدفع المنشآت إلى رفع الرواتب لتكون قادرةً على استقطاب أفضل المهارات.
ويؤكد تقرير جسر هذه الحقيقة بالأرقام، إذ يكشف أن 43٪ من الموظفين في السعودية يعملون في الرياض وحدها، يليها جدة بنسبة 16٪، ثم الدمام بنسبة 4٪.
وهذا يعني أن قرابة 60٪ من القوى العاملة في السعودية تتركز في 3 مدن رئيسية فقط. ويفرض هذا التركّز على أصحاب الشركات ضرورة مراعاة التفاوت الجغرافي في تكاليف المعيشة ومؤشرات النمو عند اعتماد سياسات الرواتب؛ وذلك لضمان العدالة التنافسية والقدرة على جذب الأكفّاء والاحتفاظ بهم.
لُب السالفة هنا: لا تعكس الفروق في الرواتب بين موظف يؤدي الدور نفسه في الرياض وآخر في منطقة أقل نشاطاً اقتصادياً مستوى الكفاءة الفردية فقط، فهي تتأثر أيضاً بتكاليف الجذب والتشغيل ودرجة المنافسة على المهارات نفسها؛ فذوو المهارات العالية عادةً ما يتلقون عروضاً متعددة -محلية ودولية- مما يجعل توفير بيئة عمل جيدة أمراً غير كافٍ، بل يجب اقتران ذلك بعرضٍ مالي يتناسب مع خبراتهم وتوقعاتهم.
5. معدلات التضخم
تُعد معدلات التضخم من أبرز العوامل الاقتصادية التي تؤثر على مستويات الرواتب في أي دولة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. إذ تُشير الزيادة في معدل التضخم إلى ارتفاع عام في الأسعار، وهو ما ينتج عنه بطبيعة الحال انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين ما لم تتواكب رواتبهم مع هذا الارتفاع.
يؤكد خالد الحربي على أهمية مراقبة هذا المؤشر ناصحاً رواد الأعمال ومسؤولي الموارد البشرية: «معدل التضخم في البلد يحكم بشكل كبير معدل الرواتب. وإن أردت أن تتابع ذلك بدقة، أنصحك بالرجوع إلى تقارير البنك المركزي السعودي؛ فهي تحتوي على أرقام موثوقة توضّح معدل التضخم وتكشف تطورات تكلفة المعيشة في كل منطقة».
ومن هنا، يمكنك الاتفاق معي إن قلت إن مواءمة الرواتب مع مستويات المعيشة والتضخم المحلي ضرورة ملحّة، خاصةً عند المقارنة بين المدن الصغيرة والمدن الكبرى داخل المملكة؛ فالرياض مثلاً -باعتبارها مركزاً اقتصادياً وتنفيذياً- تختلف في تكلفة المعيشة ونمط الاستهلاك عن مدن كـحائل أو الباحة، ما يستدعي من الشركات ضبط سياسة الرواتب وفقاً للمتغيرات الجغرافية والاقتصادية.
توصية في الصميم: اهتم جيداً بدراسة العوامل الاقتصادية وأسلوب معيشة الموظفين، لأن عدم الاستجابة لهذا المتغير بطريقةٍ كافيةٍ قد يؤدي إلى انخفاض رضا موظفيك وزيادة معدل الدوران الوظيفي؛ مما يُضعف استقرارك المؤسسي.
أسئلة استرشادية
وفيما يلي بعض الأسئلة الاسترشادية التي يهمني أن تسألها لنفسك في هذه المرحلة حتى تُحدد سياسة رواتب عادلة وواقعية في ظل معدلات التضخم:
- هل تراجع شركتك مؤشرات التضخم الصادرة عن البنك المركزي السعودي باستمرار؟
- هل تعتمد مقياساً دقيقاً لتكلفة المعيشة عند تحديد الرواتب في المدن المختلفة؟
- كيف تُعالج الفجوة بين الرواتب الثابتة والتضخم المتزايد؟
- هل تمنح بدلات أو مزايا إضافية لتعويض أثر التضخم على الموظفين (مثل: بدل سكن أو بدل معيشة)؟
- ما مدى رضا موظفيك حالياً عن تعويضاتهم المالية مقارنةً بتكاليف حياتهم الفعلية؟ وهل أجريت استبياناً أو مقابلات شخصية معهم بهذا الأمر؟
- هل تربط مراجعة الرواتب السنوية بمؤشرات اقتصادية واضحة، أم تكتفي بتقديرات داخلية أو مخصصات الميزانية؟
- هل تقارن رواتب شركتك مع مؤشرات السوق سنوياً لضمان التنافسية؟
والآن، بعد استعراضنا لأثر التحولات الاقتصادية على سوق العمل السعودي، دعنا ننتقل إلى مجموعة من الأسئلة الشائعة التي قد يهمك معرفة إجابتها.
أسئلة شائعة عن رواتب الموظفين بالمملكة
1. هل الراتب هو العامل الوحيد الذي يُحدد ارتباط موظفك بعمله؟
لا نستطيع أن ننكر أهمية الراتب التنافسي، ولكن إذا تأملت معي ستجد أن الراتب ليس دائماً هو العامل الوحيد الذي يحكم قرار الموظف بالبقاء في وظيفة أو الانتقال منها؛ فالمعادلة المهنية -في نظر الكثير من خبراء الموارد البشرية- أوسع من مجرد دخل شهري وتمتد لتشمل اعتبارات نفسية واجتماعية واقتصادية تتفاوت حسب مرحلة الحياة والالتزامات المالية.
على سبيل المثال، الموظف الذي يُثقل كاهله قرض عقاري أو التزامات مالية شهرية كبيرة، ستختلف اختياراته تماماً عن موظف آخر يعيش استقراراً مالياً. ولكن الأمر لا يتوقف عند الجوانب الاقتصادية فقط، بل يتداخل مع عناصر أخرى تمثل جوهر بيئة العمل كالشعور بالمرونة والتمكين والقدرة على الإبداع.
بيئة العمل عامل حاسم في القرار
أبرز تقرير جسر بوضوح أن بيئة العمل لم تعد مجرد ميزة إضافية، لأنها من أهم المحددات التي تؤثر على قرارات الموظفين؛ خصوصًا عند اختيارهم للوظائف أو تقييمهم للاستمرارية داخل المنشأة.
فبحسب التقرير، أكّد 28.3٪ من المشاركين أن بيئة العمل هي العامل الأكثر أهمية عند اختيارهم للوظيفة، متفوقةً بذلك على عوامل تقليدية مثل الموقع أو نوع القطاع. وفي المقابل، اعتبر 24.5٪ فقط أن الراتب التنافسي هو العامل الأهم، مما يعكس تحوّلاً ملحوظاً في أولويات القوى العاملة، خاصةً بين جيل الشباب.
إذ يهتم جيل زد بجودة الحياة في العمل والفرص المتاحة للتعلم والتطور والشعور بالمعنى ويضعون تلك الأمور في مقدمة أولوياتهم. فلم يعد المال وحده كافياً لاستقطابهم أو الاحتفاظ بهم.
كما تختلف الأولويات باختلاف الجنس، إذ تميل بعض النساء إلى تفضيل الاستقرار وساعات العمل المتوازنة، بينما قد يبحث الرجال في أوقات معينة عن النمو السريع والفرص التنافسية.
5 ركائز تؤثر على قرار الموظف
وهنا يعلّق مستشار الموارد البشرية مرتضى البشر بتحديده لخمس ركائز أساسية تُؤثّر على قرار الموظف في البقاء أو الانتقال، وهي:
- المزايا والتعويضات.
- فرص التطوير والتقدم المهني.
- سمعة الشركة في السوق.
- جودة بيئة العمل الداخلية.
- الاستقرار الوظيفي.
ويُضيف: «كل عنصر من هذه العناصر يلعب دورًا مختلفًا بحسب المرحلة التي يعيشها الشخص. في بداية المسيرة قد يُركّز على التعلم والتطوير، ثم تأتي مرحلة يُفضّل فيها الاستقرار، ثم مرحلة أخرى تُصبح فيها الحاجة المالية أكثر إلحاحاً. لذلك، لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع، بل تتغير الأولويات بتغير العمر والجنس والخبرة والسياق العام لحياة الموظف. المهم أن كل مرحلة لها حاجاتها، ويجب أن تراعيها الشركات بذكاء».
يؤكد خالد الحربي هذه الفكرة من واقع تجربته الشخصية، إذ يروي أنه في مرحلة من مراحل حياته المهنية تلقّى عرضًا وظيفيًا براتب يزيد بنسبة 60٪ عن راتبه الحالي، لكنه رفضه؛ لأنه كان يبحث عن الاستقرار المهني وفرصة حقيقية للنمو والتطور، وهو ما وجده في بيئة عمله. لقد فكّر بمنطقٍ بعيد النظر: «ما سأكتسبه هنا من خبرات وقيمة مهنية، سيجعلني لاحقًا لا أطلب فقط 60٪ زيادة، بل أكثر من ذلك بكثير، لأن مستواي المهني سيتغير تماماً».
2. «أريد كفاءات عالية، لكن لا أملك القدرة على دفع رواتبهم»، فما الحل؟
يتردد هذا التساؤل كثيراً على ألسنة روّاد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة، وهو سؤال واقعي وصادق؛ فمع إدراك الجميع لأهمية الكفاءات في بناء الفريق، يبقى التحدي الأكبر: كيف تستقطب الأشخاص المناسبين وتحافظ عليهم دون ميزانية ضخمة للرواتب؟
تتنوع الطرق التي يمكنك الاستعانة بها هنا، ولكن وفقاً لرأي الخبيرين «خالد الحربي» و«مرتضى البشر»، يجب عليك التفكير في تقديم مزايا غير مالية، كأن تعرض على الموظفين خيار العمل عن بُعد في بعض الأيام.
باستطاعتك أيضاً توفير ما يلي:
- ساعات عمل مرنة تمنح الموظف مساحة لإدارة حياته الشخصية.
- فرص التعلم والنمو الشخصي والمهني.
- ثقافة تنظيمية إنسانية ومحفّزة.
- مشاركة الموظفين في اتخاذ القرار أو إعطائهم شعوراً بالملكية.
- العمل على مشروع يحمل رسالة ذات معنى أو رؤية ملهمة تتفق مع أهدافهم الشخصية والمهنية.
3. ما التوقعات بخصوص رواتب الموظفين في السعودية بين 2025 و 2030؟
كشف استبيان تقرير جسر أن 72.9% من الخبراء يتوقعون زيادةً في متوسط الرواتب بالمملكة خلال عام 2025. ومن وجهة نظر خبراء كُثر، لا يتوقف هذا النمو عند عام 2025، بل من المتوقع أن تتجه الشركات إلى زيادة رواتب موظفيها في الأعوام المقبلة. يوضح الخبير خالد الحربي أسباب ذلك بقوله:
«تشهد المملكة مرحلةً استثنائيةً تمهد لارتفاع ملحوظ في الرواتب، مدفوعةً بالأحداث الكبرى القادمة مثل كأس الخليج 2026 وكأس آسيا 2027 وكأس العالم 2034، بالإضافة إلى إكسبو 2030. تتطلب هذه الفعاليات جذب كفاءات موهوبة عبر حزمة تنافسية تشمل رواتب مجزية وبيئة عمل محفزة، لكي تتمكن الشركات السعودية من تعزيز مكانتها في السوق».
ومن المتوقع أن يترافق هذا النمو مع نسب تضخم طفيفة مقارنةً بحجم الطفرة المتوقعة، مما سيدعم استقطاب ذوي المواهب ويرسخ مكانة المملكة كوجهة عمل جاذبة إقليمياً وعالمياً.. والسؤال هنا: كيف تحافظ على تنافسية شركتك في سوق يتسارع فيه التغيير ويشتد فيه التنافس على الكفاءات؟
أسئلة استرشادية
إليك إذاً مجموعة من الأسئلة التي ستُرشدك لأفضل الخطوات المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة.. اسأل نفسك:
- هل خريطة الرواتب في شركتك تعكس الواقع التنافسي للسوق؟
- هل تراجع دورياً رواتب الموظفين وتقارنها بالقطاعات المشابهة؟
- ما مدى مرونة ميزانية الأجور المعتمدة في منشأتك لاستيعاب زيادات مستقبلية مدروسة؟
- ما هي القيمة الفريدة التي تقدمها كبيئة عمل مقارنةً بالشركات الأخرى؟
- هل تمتلك عرض قيمة للموظف EVP واضح ومؤثر؟
- ما الذي يجعل الكفاءات تختار شركتك ثم تستمر معها دون غيرها؟
- هل تمتلك خطة واضحة لاستقطاب الكفاءات المستقبلية؟
- ما هي طريقتك في التعرف على المواهب داخل شركتك؟
- ما مدى جاهزية الشركة لتبنّي الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي؟
- هل تمتلك بنية تحتية مرنة قادرة على مواكبة هذه التحولات؟
- كيف تُدرب موظفيك على الأدوات الذكية لتطوير الأداء؟
- كيف تقيس رضا الموظفين واستعدادهم للمرحلة القادمة؟
- هل تستخدم أدوات فعالة للاستماع لآراء موظفك؟
- هل توجد مؤشرات مبكرة لتسرب الكفاءات أو انخفاض ولائها المؤسسي؟
- هل تمتلك تصوراً مستقبلياً لإستراتيجيتك بعد 2030؟
- ما هي الرؤية التي تعمل عليها من الآن لتتماشى مع التحولات القادمة؟
- كيف تستفيد من الإستراتيجيات الوطنية لكل مدينة أو منطقة في توجيه توسعك الجغرافي؟
الخلاصة
في النهاية، تذكر أن تقديم رواتب تنافسية يُعد خطوة مهمة في استقطاب الكفاءات، لكنه لا يكفي وحده لضمان استمرارية نموك المؤسسي؛ لأن المعيار الحقيقي لنجاح شركتك يكمن في تخليها عن الأساليب التقليدية والتحول إلى منظومة عمل مرنة تعتمد على الأتمتة لتنظيم العمليات وتسريعها، إلى جانب الاستثمار في تطوير موظفيك وتأهيلهم بالمهارات التي تواكب التغيرات المتسارعة في سوق العمل.
ولأن التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة يتمثل في سد فجوة المهارات، أنصحك بالاطلاع على هذا الدليل العملي الذي يُرشدك إلى أفضل السبل لــ التعامل مع فجوة المهارات في شركتك.
اقرأ أيضًا على مدونة جسر

اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية
ابدأ الآن مع جسر
اطلب العرض التوضيحي الخاص بك