2025
يونيو
3
آخر تحديث
أثر الحوافز على أداء العاملين: كيف تجعل فريقك أكثر حماساً للعمل؟
أثر الحوافز على أداء العاملين ليس موضوعاً نظرياً في كتب الإدارة أو مبحثاً جانبياً في تقارير الموارد البشرية، بل هو سؤال محوري يتصدّر مشهد بيئة العمل في المملكة اليوم.
فإذا نظرت معي إلى هذا المشهد، سنجد أنفسنا أمام واقعٍ مهنيٍ جديد لا تُحرّكه المؤشرات الاقتصادية أو توجهات الرؤية الوطنية فقط، بل يُحرّكه -بالدرجة الأولى- سؤالٌ عميق يتردد في أذهان القادة والمديرين، ألا وهو «ما الذي يجعل الموظف يُعطي أقصى ما لديه؟».
وفي خضم التوسّع المؤسسي والتطور الرقمي والتنافس على الكفاءات، لم تعد الأجور وحدها قادرة على تحريك دافعية الموظفين. لذا، من المنطقي أن يتجه الحديث إلى الحوافز ودورها في تحسين أداء العاملين بوصفها أدواتٍ تحدث فرقاً ملموساً بين إنجازٍ تقليدي وآخر استثنائي.
ومن هذا المنطلق تنبثق أسئلة أعمق، مثل:
- ما نوع الحوافز الأكثر تأثيراً في السوق السعودي؟
- وهل التقدير المعنوي قد يُجدي أحياناً أكثر من العلاوة السنوية؟
- ولماذا تعجز بعض الشركات عن تطبيق سياسة حوافز فعالة؟
تُعَد هذه الأسئلة دعوة لإعادة التفكير في فلسفة المكافأة بعيدًا عن النماذج النمطية. ولكن قبل الغوص في إجاباتها والتجارب الميدانية، دعنا نبدأ من السؤال التالي..
ما تعريف الحوافز؟
يُشير الباحث علي بن سالم بن علي العامري في دراسته البحثية إلى مفهوم الحوافز بقوله:
«الأجر هو المقابل الذي يتحصل عليه العامل من المنظمة نظير ما يؤديه من عمل بها، أما الحافز فهو ما يتلقاه مقابل الإنجاز المحقق والناتج عن اجتهاده في أداء هذا العمل، حيث إن الحافز الذي يتلقاه هو الذي يدفعه لزيادة جهده في هذا العمل».
ويدعم هذا التمييز بين الأجر والحافز العديد من منظّري الإدارة السلوكية، الذين يرون أن الحافز ليس مجرد إضافة مالية أو معنوية، بل هو محرك فعّال يدفع الموظفين نحو التفوق وعدم الاكتفاء بأداء الحد الأدنى من الواجبات.
ومن هنا، يمكنك الاتفاق معي إن قلت إن الحوافز تمثّل استجابة إستراتيجية لحاجة إنسانية عميقة في بيئة العمل. وتتعلّق هذه الحاجة بالشعور بالتقدير والانتماء والاعتراف بالجهد المبذول.
فالحافز -وإن تنوعت صوره- يُشكّل حلقة الوصل بين الجهد المبذول والنتيجة المرجوّة، ويُحوّل العمل من مجرد التزام إلى تجربة ذات قيمة شخصية ومهنية يُحبها الموظف ويتطلع إليها. (لمعرفة المزيد حول أنواع الحوافز، راجع هذا الدليل).
وإذا نظرنا إلى السياق السعودي تحديدًا، إذ تسعى المنشآت إلى تحقيق التوازن بين استقطاب الكفاءات المحلية وتطوير الأداء المؤسسي، فإن تصميم الحوافز بعناية -سواء أكانت مادية أو معنوية- يُصبح ضرورة ملحة.
ولكن..
ما أثر الحوافز على أداء العاملين فعلياً؟
تُظهر الدراسات المتراكمة أن أثر الحوافز على أداء العاملين يتجلى في 5 مسارات أساسية، وهي على النحو التالي:
- التحفيز السلوكي الفوري: تُعزز الحوافز الفورية الارتباط بين الجهد المبذول والمكافأة المتوقعة. ويُنشّط هذا الارتباط نظام المكافأة في الدماغ، ما يدفع موظفك إلى تكرار السلوك المرغوب فيه.
- تحسين الانخراط الوظيفي: بتأمل الواقع، ستجد أن الموظف المُحفَّز يكون أكثر ميلاً للمبادرة والمشاركة في تطوير العمل وأقل عرضة للانفصال العاطفي.
- الاستقرار العاطفي: إذا شعر فريقك بأن مجهوده مُقدَّر، سيشعر بالانتماء والثقة بشركتك. الأمر الذي يُقلل من معدل الدوران الوظيفي.
- تعزيز الكفاءة: إذا عَلِم موظفوك أن الترقية أو المكافأة لا تأتي بالسنوات فقط، بل بإنجازهم الفعلي، يتحوّل الأداء العالي إلى قيمة متداولة بين الجميع.
- التقدير المعنوي: لا يقتصر أثر الحوافز على النطاق المالي؛ فالحوافز المعنوية تُشبع حاجة الإنسان للاعتراف بقيمته، وهي حاجة ضرورية وفق تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات.
توصية: لمعرفة المزيد حول تأثيرات الحوافز على أداء الموظفين، راجع هذا المقال.
ومع ذلك، ربما تقولي لي الآن: «إذا كانت الحوافز تمتلك هذا الأثر العميق في تحفيز الأداء وتعزيز الإنتاجية، فلماذا تخفق أحياناً في تحقيق النتائج المرجوة داخل بعض بيئات العمل؟».
يقودنا هذا التساؤل إلى محور مهم في سياق حديثنا، ألا وهو..
لماذا تفشل بعض سياسات الحوافز في بيئتنا الخليجية؟
على الرغم من وضوح أثر الحوافز على أداء العاملين بوصفه أحد أبرز محددات الكفاءة والتحفيز داخل المنشآت، إلا أن واقع السوق الخليجية يكشف عن تعثرٍ ملحوظ في فاعلية بعض سياسات الحوافز.
ويمكن تفسير هذا الإخفاق بمجموعة من الأسباب البنيوية والثقافية والإدارية، التي تتفاوت في تأثيرها بحسب طبيعة الشركة وسياقها الاقتصادي والاجتماعي.
وبتحليل بعض الدراسات البحثية المنشورة في الخليج والوطن العربي، سنلحظ بعض العوامل الرئيسية التي تُضعف سياسات الحوافز، وهي:
1. غياب الربط الفعّال بين الحافز وتقييم الأداء
إذا طلبت منك تقديم محاضرة تحفيزية لمجموعة من طلاب الجامعات -دون أن أُزودك بمزيدٍ من المعلومات- فما أول سؤال قد يتبادر إلى ذهنك؟
من المرجّح أن تسألني عن موضوع المحاضرة نفسه؛ فالتحديات التي يواجهها الطلاب الجامعيون عديدة ومتنوعة، ومن الطبيعي أن تحرص على تحديد المحور الرئيسي الذي ستتناوله، لتتمكن من قياس مدى تأثير كلماتك على سلوكهم ودوافعهم.
وعند إسقاط هذا المثال على بيئة العمل، يمكننا أن نفهم سبب فشل بعض سياسات الحوافز في بعض المنشآت الخليجية: إنها تنطلق ببساطة من عملية تقييم غير دقيقة أو منفصلة عن الواقع الفعلي لأداء الموظفين؛ فكثيرًا ما تُمنح المكافآت بناءً على معايير تقليدية أو مؤشرات غامضة أو حتى اعتبارات شخصية لا ترتبط بالأداء الحقيقي، مما يؤدي إلى تآكل الشعور بالعدالة وتصاعد مشاعر الإحباط وعدم الرضا.
لب السالفة: يمكن القول إن غياب تقييم الأداء العلمي والمنهجي يُعدّ من أبرز المعوّقات التي تُضعف أثر الحوافز على أداء العاملين وتحول دون تحقيق النتائج المرجوة منها.
2. التركيز المفرط على الحوافز المادية
لنتخيل المشهد بواقعية: مدير للموارد البشرية غارق في شكاوى الموظفين وتتزاحم على مكتبه ملفات الأداء الضعيف ومظاهر الاحتراق الوظيفي، فيلجأ سريعاً إلى الحل الأسهل (تقديم حوافز مادية).. يُوزّع المكافآت والعلاوات على أمل أن يستعيد الانضباط داخل فريقه، دون أن يُمعن النظر في الأسباب الجذرية للتراجع المهني أو الاستنزاف النفسي.
يشبه هذا السلوك -في جوهره- ما يُعرَّف في علم النفس بالتدليل التجنبي (Avoidant Soothing)، ويُقصد به سلوك يلجأ إليه الشخص لتجنب مواجهة المشاعر أو المواقف الصعبة عبر أنشطة مريحة لكنها غير مجدية على المدى الطويل؛ أي محاولة إظهار العناية من الخارج دون مواجهة «الفيل الذي في الغرفة»، كما يعبّر المثل الإنجليزي.
حوافز بلا بوصلة
وبتأمل الواقع، سنلاحظ هذا النمط من المعالجة السطحية في بعض المؤسسات الخليجية، إذ تُعتمد الحوافز المادية كوسيلة تحفيز وحيدة تقريباً، في حين تُهمَّش الحوافز المعنوية مثل التقدير العلني والإشادة بالإنجازات وإتاحة فرص للنمو الوظيفي والاعتراف بالقيمة الشخصية للموظف.
لاحظ معي هنا أن اختزال الحوافز في نوعها المادي لا يتوافق مع طبيعة الدافعية الإنسانية، كما تُوضّحها نظرية الحاجات لـ«ديفيد مكليلاند»، التي تقسم المحفزات إلى 3 فئات أساسية:
- الحاجة إلى الإنجاز.
- الحاجة إلى الانتماء.
- الحاجة إلى السلطة أو التأثير.
وفقًا لهذه النظرية، فإن الاعتماد على العائد المادي وحده يغفل جوانب جوهرية تدفع الأفراد -خصوصاً في القطاعات الإبداعية والمعتمدة على العمل الجماعي- إلى التفاني.
وفي هذا المقال، أوضحنا لك مخاطر تطبيق الحوافز المادية في المنشآت وكيف يمكنك التخفيف من آثارها السلبية.
3. غياب العدالة في توزيع الحوافز
أحد أبرز الإشكالات التي تؤدي إلى فشل سياسات الحوافز هو الشعور بعدم العدالة، سواءً في معايير المنح أو في شمول الموظفين؛ فعندما يرى فريقك أن الحوافز تُوزّع بطريقةٍ عشوائية أو غير منصفة أو تنحاز لفئاتِ معينة، فإن ذلك يُضعف روحهم المعنوية ويُقلص أثر الحوافز على أداء العاملين، بل وقد يتحول الحافز إلى عنصر إحباط لا تشجيع.
ولتقريب هذا المشهد، دعنا نتخيل هنا أن مدير الموارد البشرية قرر منح مكافآت أداء نهاية العام دون الرجوع إلى تقييمات الأداء الفعلية، بل بناءً على القرب الشخصي أو انطباعاته العامة. في هذه الحالة، سيُكافَأ موظف لم تكن مساهمته واضحة، في حين يُتجاهَل موظفٌ آخر اجتهد طوال العام وحقّق نتائج ملموسة.
ونتيجةً لذلك، من البدهيّ أن نلحظ انخفاض مستوى الرضا الوظيفي وتصاعد التذمر، مع وجود شعور عميق باللاجدوى من بذل الجهد. وهي نتائج عكسية تماماً لدور الحوافز في تحسين أداء العاملين.
توصية: لمعرفة المزيد حول تحديات الحفاظ على بيئة عمل إيجابية في الشركة، راجع هذا المقال.
4. ضعف إشراك الموظفين في تصميم نظام الحوافز
من أبرز الأسباب التي تُضعف أثر الحوافز على أداء العاملين هو تجاهل أصواتهم عند بناء نظام الحوافز أو تعديله. فموظفوك -مهما اختلفت مواقعهم الوظيفية- يتطلّعون إلى نظام يُشعرهم بأنهم مرئيون ومقدَّرون ويعكس احتياجاتهم الفعلية، سواءً أكانت تتعلق هذه الاحتياجات بالتقدير المعنوي أو بالعدالة المالية أو بفرص التطور المهني.
لكن في المقابل، تُصمَّم أنظمة الحوافز في عدد من المؤسسات الخليجية عبر قرارات مركزية مغلقة لا تستند إلى بيانات واقعية من الموظفين، ولا تُبنى على فَهمٍ عميقٍ لدوافعهم، بل قد تُفْرَض عليهم من الإدارة كأمر واقع ونهائي.
وبناءً عليه، قد تجد نظاماً تحفيزياً مثالياً على الورق، لكنه في الواقع جافّ وغير مُلهم ولا يلامس ما يحفّز أفراده فعلياً. وهو ما يولّد مشاعر خيبة وانفصال ويُفرغّ تدريجياً الحافز من مضمونه، كما يُحوله إلى مجرد إجراء شكلي فاقد للأثر.
5. تأثر الموظفين بثقافة التوظيف الريعي أو التقليدي
أوضحت دراسة حديثة أن 60% من العاملين حول العالم يعانون من انفصال عاطفي عن وظائفهم؛ مما يعكس تراجعاً في مستوى الانخراط الوظيفي الذي بلغ 21٪ في عام 2024.
وبالنظر إلى واقع المنطقة، تتجلى هذه الظاهرة في أن كثيراً من العاملين لا ينظرون إلى وظائفهم كفرصة للتفوق أو النمو المهني، بل كضمان اجتماعي يوفر الأمان الوظيفي والدخل الثابت، دون أن يرتبط ذلك بالإنجاز أو الأداء.
وإذا تأملت معي، ستجد أن هذه الثقافة تؤدي إلى ضعف تأثير الحوافز -حتى وإن كانت مالية ضخمة- لأن الحافز هنا لا يتصل بالدافع الداخلي أو الطموح الشخصي للموظفين.
وهذا ما يُؤكده الكاتب «جيمس كولينز» في كتابه «من جيد إلى رائع»؛ إذ يُوضح أنه عندما يشعر المرء بأن وظيفته مجرد وسيلة للبقاء الاقتصادي وليست مكانًا للنمو، تُخنق إمكاناته الحقيقية ولن يكون قادراً على الإبداع أو الشعور بالحافز.
الترقية بالتقادم لها مخاطر
وإلى جانب النقطة السابقة، تُضعف ثقافة «الترقية بالتقادم» السائدة في بعض المنشآت من فعالية أي نظام حوافز يعتمد على الأداء الفردي؛ لأنه في هذه الحالات تُمنح الترقيات والمكافآت وفقاً للمدة الزمنية التي قضيتها في الشركة بدلاً من إنجازاتك الفعلية؛ مما يُحبط الكفاءات ويؤدي إلى تراجع الأداء المؤسسي.
ومع ذلك، فإن فشل سياسات الحوافز في بعض شركات المنطقة لا يعني غياب فعاليتها أو إمكانية نجاحها إذا ما توافرت العوامل العلمية والإنسانية التي تُقربك أكثر من موظفيك.
لذا، يُصبح السؤال المحوري هنا..
كيف تُعزز أثر الحوافز على أداء العاملين وإنتاجيتهم حقاً؟
من وجهة نظر الخبراء، فإن الحوافز الفعالة تُصمَّم ولا تُرتجل، وهي تُعَد لغة نفسية واقتصادية وإنسانية تُترجم التقدير إلى أفعال ملموسة، وتهدف إلى تحويل أداء موظفيك العادي إلى أداءٍ مُلهِم.
وبناءً عليه، من غير المقبول أن تُقدِّم الحوافز المادية والمعنوية تقديماً عشوائياً أو تقليدياً، بل يجب أن تستند إلى خصوصية منشأتك وتطلعاتها؛ مُراعياً أيضاً مبادئ علم النفس التنظيمي ونظريات التحفيز الإنساني.
وفيما يلي 5 نصائح لا غِنى عنها لرفع كفاءة الحوافز وأثرها على أداء العاملين:
1. اربط الحوافز بمؤشرات أداءٍ حقيقية
تبدأ المرحلة الأولى من تحسين نظام الحوافز في منشأتك بضبطه على مؤشرات أداء دقيقة وقابلة للقياس، بدلاً من ربطه بالتقادم أو المجاملة؛ فالحوافز الفعّالة تُكافئ الإنجاز الملموس وتدفع الموظف إلى تكراره أو تجاوزه؛ مما يرسّخ ثقافة التفوق ويعزز أثر الحوافز على أداء العاملين بطريقةٍ مستدامة.
ولكن ربما تسألني هنا عن كيفية تقييم أداء الموظفين باحترافية تضمن عدالة الحوافز وفاعليتها؟
جسر بين الحوافز والأداء
وهذا سؤال في محله، تبدأ إجابته من اختيار أدوات تقييم تدعم القرار الإداري بالبيانات. وهنا تبرز أداة تقييم الأداء من جسر، التي توفر لك دورة تقييم مرنة تتواءم مع احتياجات شركتك، مع قوالب جاهزة توفر عليك الوقت وتزيد الكفاءة.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل يمكنك أيضاً اعتماد أسلوب الإدارة بالأهداف MBOs لتحفيز المسؤولية الفردية، مع إمكانية إنشاء أهداف ذكية منذ اللحظة الأولى. وبفضل هذا الإطار، ستتمكن من تقييم أثر الحوافز على أداء العاملين عبر مراجعات عادلة مدعومة بالبيانات والرسوم البيانية.
لاحظ معي هنا أن جسر يُوفّر رؤية شاملة للأداء الوظيفي من خلال تقييم 360 درجة، بحيث تحصل على تقارير مفصّلة تتضمن نقاط القوة والتحسين لكل موظف؛ مما يُسهل عليك اتخاذ قرارات مبنية على بصيرة.
وتُعزز لوحات التحكم المتقدمة من وضوح الرؤية، فباستطاعتك متابعة التقدّم في تنفيذ المهام خطوة بخطوة ومعرفة الإنجازات والتحديات في لحظتها.
جرب النظام مجاناً من هنا وادعم إنتاجية موظفيك من الألف إلى الياء.
2. نوّع الحوافز ولا تكتفِ بنوعٍ واحد
إن الاقتصار على الحوافز المادية وحدها، أو الاكتفاء بالتشجيع المعنوي دون غيره، يُضعف الأثر التحفيزي على المدى الطويل؛ فالحوافز الفعّالة هي تلك التي تُلامس الإنسان في جوانبه المتعددة: المادية والعاطفية والمعرفية.
لاحظ معي هنا أن المكافآت المالية تُشبع حاجات الأمان والاستقرار المعيشي، وهي ضرورية في أي بيئة عمل تنافسية، لكنها لا تكفي وحدها. فـالتحفيز المعنوي -ككلمات التقدير العلني وفرص النمو المهني والاعتراف بجهود الأفراد- يُغذي شعور موظفك بالانتماء ويُفعّل حاجته إلى الإنجاز وتحقيق الذات.
آراء الخبراء
وقد كشفت دراسة استقصائية أُجريت في شركة نسما القابضة بجدة حول أثر الحوافز على أداء العاملين، أن 75٪ من الموظفين يؤكدون أهمية التحفيز المعنوي في تعزيز أدائهم، بينما عبّر 77٪ عن اعتقادهم بأن نقص التقدير يُفضي إلى فتور الحماسة وفقدان الدافع.
تُبرز هذه النتائج أن فعالية الحوافز لا تتحقق ما لم تُصمم بمنظور إنساني شامل يُراعي البُعد النفسي والاجتماعي للعامل، وليس فقط الجوانب المادية.
لذا، فكّر في هندسة سياسة حوافز متكاملة تجمع بين اللمسة الإنسانية والعدالة المادية؛ لأن التوازن بين هذين القطبين هو ما يُلهب طموح موظفيك ويصنع ولائهم. تذكر أيضاً أن تربط أهداف الموظفين بالقيم المنشودة. وفي هذا السياق، يقول الكاتب «دانيال بينك» في كتابه الحافز: الحقيقة المدهشة بشأن الأشياء التي تحفزنا:
«خُلقنا لنكون فاعلين ومتفاعلين. ونعلم أن أغنى تجارب حياتنا لا تكمن في سعينا الحثيث لنيل تأييد الآخرين، بل في الاستماع إلى صوتنا والقيام بشيء مهم وإتقانه وخدمة قضية أكبر منا».
3. شارك الموظفين
الخطوة الثالثة التي تُسهم في تعزيز أثر الحوافز المادية والمعنوية في تحسين أداء العاملين هي إشراكهم الفعّال في تصميم سياسات الحوافز وتطويرها. فبدلًا من فرض أنظمة تحفيزية من أعلى الهرم الإداري، يُستحسن أن تُصاغ هذه السياسات من خلال تفاعلك المباشر مع العاملين عبر استطلاعات الرأي وجلسات العصف الذهني وورش العمل التشاركية.
تضمن هذه الطريقة مواءمة الحافز مع ما يعتبره العامل مجزيًا فعلاً. كما أن مشاركة موظفيك في تصميم سياسة الحوافز أو تعديلها يُعزز شعورهم بالعدالة والانتماء، وهو ما يرتبط بدوره بزيادة الولاء وتحسّن الأداء العام.
أسئلة مفيدة
وفيما يلي مجموعة من الأسئلة التي يمكنك استخدامها لفتح حوار صادق حول الحوافز داخل شركتك.. اسأل موظفك:
- ما نوع الحوافز الذي يُلهمك أكثر: المادي أم المعنوي؟ ولماذا؟
- ما هو الحافز الأهم الذي سبق وأن أثر إيجابياً على أدائك؟
- هل ترى أن نظام الحوافز الحالي في المؤسسة يُراعي جهودك الفردية بإنصاف؟
- ما الحوافز التي ترى أنها غائبة وتعتقد أنها ستحدث فرقًا في دافعيتك؟
- ما هي الطريقة المثلى لتقدير إنجازاتك؟ (فكّر في مختلف أنواع الحوافز هنا، مثل كلمات الشكر والترقيات وفرص التعليم أو حتى إتاحة خيارات لــ العمل المرن).
- من وجهة نظرك، ما العوامل التي تجعل الحافز حقيقياً ومحفزاً لا مجرّد إجراء إداري؟
4. قدِّم الحوافز فورياً وبلا تأخير
أحد المبادئ الجوهرية في علم التحفيز السلوكي هو ارتباط المكافأة بالزمن؛ فكلما كانت حوافزك مرتبطة مباشرة بلحظة إنجاز موظفيك، زادت فعاليتها في ترسيخ سلوكهم الإيجابي.
على نقيض ذلك، فإن تأخير الحافز يؤدي إلى تآكل أثره النفسي والذهني، إذ تضعف قدرة الدماغ تدريجياً على الربط بين الفعل والنتيجة؛ مما يُفقد المكافأة معناها التحفيزي ويجعلها أقرب إلى إجراء إداري روتيني قد ينتظره موظفك لأشهر طويلة.
لذا، احرص على أن تأتي مكافأتك في اللحظة المناسبة، لأن أثر الحوافز في تحسين أداء العاملين يتعزز كلما شعروا بأن التقدير يأتي في وقته لا بعد فوات الأوان.
نصائح تطبيقية
فيما يلي بعض النماذج التطبيقية لتقديم الحوافز الفورية:
- أعلن عن مفاجأة صغيرة للفريق عند اجتيازهم هدفاً مشتركاً (مثل إفطار جماعي في اليوم التالي).. شرط أن يتم الإعلان مباشرةً بعد الإنجاز.
- خصص نظاماً بسيطاً داخل فريقك يمنح نقاط تقدير فورية يمكن تحويلها إلى مكافآت صغيرة شهرية (مثل بطاقات هدايا أو إجازة ساعة إضافية.. إلخ).
- بعد إنجاز ملف مهم أو التعامل مع عميل صعب، أرسل لموظفك رسالة شكر إلكترونية أو مكتوبة فوراً.
5. التزم بالشفافية على الدوام
لا شيء يقوّض أثر الحوافز على أداء العاملين مثل الغموض والتمييز في معايير الاستحقاق؛ فحين يشعر موظفك أن النظام غير عادل أو أن زملاءه يُكافَؤون دون وجه حق، فإن الحوافز تتحوّل من دافع إلى مصدر للغضب والفتور.
وبناءً عليه، نصيحتي الجوهرية هنا أن تبني نظاماً واضحاً يُفهم بسهولة ويُطبّق بعدالة.. احرص على أن يعرف كل فرد معايير التقييم ومبررات الحوافز، وتأكد من أن هذه القواعد لا تتغير بتغير الأشخاص أو الظروف.
نصائح تطبيقية
ولتطبيق هذه الشفافية عملياً، يمكنك البدء بالتالي:
- نشر دليل داخلي يوضح معايير منح الحوافز (ما هي الحوافز؟ ومتى تُمنح؟ ولمن؟).
- مشاركة نتائج الأداء الجماعي بشفافية وربطها بالحوافز المقررة؛ حتى يدرك الجميع مصادر المكافآت ومناسبتها.
- تخصيص جلسات تقييم ربع سنوية (أو نصف سنوية أو وفق احتياجاتك وبنية شركتك) لتفسير قرارات الحوافز وتَلقي التغذية الراجعة من فريقك.
خلاصة أثر الحوافز على أداء العاملين
في النهاية، تذكّر أن الحوافز ليست مجرد مكافآت تُقدّم بعد الإنجاز، بل هي أداة مهمة لخلق بيئة عمل تُحفّز السلوك الإيجابي وتُكرّس ثقافة الأداء العالي. ولكن ذلك لا يتحقق إلا عندما يتحفزّ الموظفين داخلياً ويُشاركونك القيم والأهداف نفسها.
ولأن التحدي الأكبر في إثراء هذا التحفيز الداخلي، أنصحك بالاطلاع على دليلنا العملي التالي الذي يُعرفك على 5 إستراتيجيات مبتكرة لتحفيز الموظفين في منشأتك.
أحمد عبد الوهاب
كاتب وباحث بخبرة تزيد عن 7 سنوات، يساهم مع جسر في كتابة موضوعات مفيدة يسعى من خلالها إلى ربط مسؤولي الموارد البشرية بنصائح عملية تساعدهم على تحقيق أقصى استفادة من مواردهم. تتركز أبحاثه في التخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية وإدارة المواهب والأداء والتدريب الوظيفي، وغيرها من المجالات المرتبطة التي تمكّن صناع القرار من الوصول إلى أهدافهم واتباع إستراتيجيات أذكى وأكثر تميزًا. بجانب اهتمامه بالكتابة والبحث فهو حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة.
اقرأ أيضًا على مدونة جسر

اطلع على جديد الموارد البشرية والحلول التقنية التي يقدمها نظام جسر بالاشتراك في نشرتنا البريدية
ابدأ الآن مع جسر
اطلب العرض التوضيحي الخاص بك